يسمِّمون الأجواء الإعلامية ويؤزِّمون المشهد السياسي
د. محمد أبو رمان
25-01-2010 03:08 AM
تعلو المشهد السياسي غيوم كثيفة، تنمِّي قلقاً مشروعاً بأن تضيف هذه الأجواء فرامل أخرى على عجلة الإصلاح، التي لم تبدأ السير إلى أمام، كما كان مأمولاً بعد حل مجلس النواب وصدور وعود صارمة بانتخابات نيابية نظيفة.
وقوع ثلاثة أحداث متتالية لها علاقة بالأردن (عملية قاعدة خوست، التي قام بها طبيب أردني وهو همام البلوي، وسقوط أردني قيادي في القاعدة بغارة أميركية على وزير ستان وهو محمود زيدان، ثم تفجير العدسية) دفعت جميعها إلى تركيز إعلامي غربي وأميركي على الأردن، يعتمد في جزء كبير منه، كالعادة، على المبالغة والتهويل والتشويه، والتشكيك بعمق الاستقرار السياسي، بالتوازي مع المجهود الإسرائيلي الملحوظ، الذي يسعى إلى التشويش على الدولة هنا ومطبخ القرار.
بعد تلك اللحظة المكثفة المقلقة، من المتوقع أن يرتفع منسوب الحذر الأمني، وبخاصة أنّ المسألة تتجاوز الاعتبارات الداخلية إلى الاعتبارات الدولية والإقليمية. فثمة "لعبة أمنية" في المنطقة، تدخل فيها أطراف متعددة، إسرائيل، إيران، القاعدة، الولايات المتحدة، ولهم جميعاً أدوات ومصالح متناطحة، ويحاولون توصيل رسائل متبادلة وتسديد الفواتير في أكثر من مكان.
المشكلة تبدأ عندما يحاول بعض السياسيين والإعلاميين إقحام المشهد السياسي والإعلامي بهذه الأجواء الأمنية، وخلط الأوراق، وقمع الحوار السياسي، وممارسة التحريض والزج بالجميع إلى مساحة ضيقة جداً تمهّد الطريق إلى "مكارثية" سياسية وإعلامية.
هذا النفر يتجاوز التعبير عن انتهازية شخصية مفضوحة، ليزرع الشقاق بين أبناء الوطن الواحد، ويحطِّم سياج التسامح، ويدفع إلى توتير الوضع الداخلي، مما يجعل من التحدي الأمني الجديد، المرتبط غالباً بأبعاد خارجية، أزمةً سياسية داخلية!
الأصل البدهي أنّ حق التعبير عن الرأي مكفول للجميع، لكن ما هو مرفوض إمساك البعض بعصا الاتهام والتجريح وإدعاء الإخلاص للوطن أكثر من الآخرين.
ما يغيب عن هؤلاء أنّ الرأي العام المحلي والعربي، في عصر العولمة، تجاوز دور طبّال الحي وشاعر القبيلة. فلا يسد الفراغ إلاّ إعلام مهني حرّ مستقل، له مصداقيته. وإن كانت الكلمة الحرّة في بعض الأحيان لا تجري بما يرضي المسؤولين، إلاّ أنّها ضمانة للتعبير السلمي والسليم، وعنوان قوة الدولة الناعمة. أمّا الإعلام المرعوب الملجوم فهو عبء على الدولة، ومثار سخرية الرأي العام المحلي، قبل العالمي.
ما يحسم النقاش قول الملك (في البحر الميت، بعد الأحداث الأمنية الأخيرة) "هدفنا حماية وطننا والعمل على تطويره وتحديثه، لتحقيق التنمية الشاملة، وتحقيق الرفاه، وأسباب الحياة الكريمة لكل مواطن، وهذه مسؤولية الجميع". تلك هي فعلاُ الجوامع الوطنية ومعايير الانتماء، وما دونها مساحة للحوار والاختلاف، ولا يحق لأحد أن يستلّ قلمه ليرسم للآخرين خطوطاً حمراء، وإن شاء أن يفعل ذلك فلتكن سقفه هو وحسب!
الغد