.. وليس آخرا، اكتشف العلماء السر في أننا لا نتذكر شيئا من طفولتنا في السنوات الثلاثة الأولى، اكتشف العلماء أن الذاكرة طويلة الأمد تعزا الى جزء صغير من الدماغ يدعى (قرن أمون) أو (حصان البحر)، وهناك قرن أيمن وقرن أيسر في الدماغ البشري. وهذا القرن لا ينمو ولا يتطور، الا بعد سن الثالثة، لذلك نشرع في التذكر اعتبارا من اكتمال نمو حصان البحر هذا.
لسنا في درس تشريح للجسم البشري، ولست مؤهلا لذلك أصلا، لكنني لما عرفت هذه المعلومة، عدت بالذاكرة الى الوراء الوراء، ولم أتذكر نفسي، إلا قبل دخول صف البستان بقليل (حوالي السنة الرابعة من العمر)، أتذكر أني كنت ألملم حجارة الفسيفساء من الحارة، وأحاول صنع لوحة فسيفسائي الخاصة في حوش البيت، لكني لم أفرح في أول مشروع في حياتي، لأني في اليوم التالي، لم أجد لوحتي الفسيفسائية....... فقد نبشتها دجاجات الماما الرؤوم. وقد كتبت عن هذه الذاكرة الموغلة في القدم سابقا، وهي ليست موضوعي اليوم.
أما في مجال التشخيص، فإني اعتقد بأننا نحن العرب نعاني من تشوه ما في هذا الجزء الصغير من الصغير من الدماغ (قرن أمون)، لأننا لا نزال وقد تجاوزنا سن الكهولة نعاني من فقدان الذاكرة الجمعية وعدم التذكر، لذلك نواصل حياتنا بدهشة، لكأننا نرى الأمور لأول مرة.
في العالم، فإن الدهشة هي سر التقدم والإبداع، أم عند حضراتنا، فإن الدهشة حولتنا الى ملايين من المندهشين على الأشياء العادية والمتكررة التي ندور حولها كما ندور في دواليب الأطفال المتوفرة في مدن الملاهي.... دهشة وحبور لا علاقة لهما بالدهشة الإبداعية التي تحول التراكم الكمي الى تطور نوعي.
نعود الى صديقنا القديم (قرن أمون) أو (حصان البحر).... لنقول له:
- يا صديقنا العتيق العتيق:
أعتقنا من ذكرياتك وأرحنا من خيالاتك، حررنا منا ومنك ومن سفسطاتك،..ولتدعنا نرفل بفخر، في هذه الفانية، بنعمة النسيان.
الدستور