أومر الدفاع في زمن الكورونا ٢
اللواء المتقاعد مروان العمد
22-04-2020 07:47 PM
استعرضت في القسم الأول من هذه المقالة توجيهات جلالة الملك المعظم الأخيرة للحكومة للتعامل مع تبعات انتشار فيروس الكورونا والإجراءات الحكومية التي تبعت ذلك ، واستعرضت أوامر الدفاع الثلاثة الأخيرة التي اصدرتها بالاضافة إلى قرار مجلس الوزراء الذي يتعلق بقيام القطاع العام بدعم المتضررين من العاملين بالقطاع الخاص من قبيل المشاركة والتضامن المجتمعي . وقد أبديت تحفظي على تجميد زيادات العاملين في الجهازين المدني والعسكري مع تفهمي لمبرراته وتمنيت انه لو اقتصر الخصم على نصف العلاوة وتحصيل الفرق من مصادر أخرى .
وقد أصدرت الحكومة بعد ذلك تعليمات عودة بعض القطاعات التجارية والصناعية والعاملين في قطاع الإنشاءات لممارسة أعمالها بصورة جزئية وبظروف مشددة عازية ذلك للظروف الاستثنائية التي يمر بها الوطن . وقد اثارت هذه الشروط اعتراض الكثيرين عليها ومنها شرط الانضمام للضمان الاجتماعي حيث اعتبر الكثيرون انه ليس هذا وقته ولا مكانه وأنه ليس الا عملية جباية مالية . ولكني اعتقد ان الهدف من هذا الإجراء هو قطع الطريق امام عمليات تحايل قد تستخدمها المحال والمؤسسات الغير داخلة بالضمان الاجتماعي للحصول على تصاريح حركة لغير العاملين لديها وربما للمتاجرة بها والتي بهذا الشرط فلن تستطيع ان تفعل ذلك لأنه سيترتب عليها ان تدفع اشتراكات عن الذين تحصل لهم على تصاريح للضمان الاجتماعي وسوف يترتب لهم عليها بعض الحقوق والالتزامات مما يضمن عدم التقدم بطلبات
تصريح وهمية . مع الأخذ بعين الاعتبار انه تم تأجيل دفع الاشتراكات حالياً وتقسيطها على ثلاث سنوات فيما بعد .
اما موضوع ان تكون عمليات الشراء عن طريق الدفع الالكتروني بحجة ان النقود المعدنية والورقية ممكن ان تكون حاملة للفيروس فهذا كلام مردود من خلال لتعامل بها لشراء المواد التموينية والخضراوات والفاكهة والماء والغاز والأدوية والخبز واللحوم وغيرها من النشاطات التي سمح بها . فكيف لا تكون تلك النقود ناقلة للفيروس في بعض الحالات وغير ناقلة له في بعضها الآخر . كما ان بإمكان المسؤولين ان يعرفوا عدد من يملكون هذه البطاقات وعدد من يتعاملون بها بعمليات الشراء اليومي وكم عدد الذين لا يحملونها وليس لهم حسابات بنكية من الأساس . انا املك عدة بطاقات منها ولكني لا اتعامل الا بالدفع النقدي المباشر وحتى خلال سفري في اغلب الأحيان فكيف من لا يملكونها ؟
كما ان اشتراط عمل شركات المقاولات بالمنشئات المنجزة بنسبة 95% يجعل لا قيمة لهذا التصريح حيث لا يكون في هذه المنشئات عمل يستحق ذلك . كما ان فتح الكثير من هذه المؤسسات والمحال من غير تسهيل إمكانية الوصول اليها يجعل من فتحها امراً غير ذي جدوى . ولا بد من وسيلة تسهل على المواطنين إمكانية الوصول عن طريق استخدام السيارة ولو لمرة واحدة كل أسبوع وان يتم تقسيمها حسب رقم رمز كل سيارة مع اشتراط ان لا يكون فيها الا شخص واحد أو اثنان على الأكثر .
اعرف ان الظروف صعبة وتتطلب إجراءات غير عادية ولكن وبنفس الوقت ان الخروج من هذه الحالة يتطلب إجراءات صعبة وغير عادية مع أخذ الاحتياطات اللازمة .
كما ان الحكومة استحدثت موقعاً لمنح التصاريح يومية لحالات محددة ومحدودة في عددها . ولكن هذا الموقع والذي يبدأ في استقبال الطلبات عند منتصف الليل لا يلبي أي طلب ، حيث انه عند محاولتك الدخول على الموقع وان صادفك حسن الحظ فأن العملية على الغلب لا تكتمل أو يأتيك الرد بأن العدد قد اكتمل قبل ان تمر خمس دقائق على فتح الموقع . وإذا قبل الموقع طلبك وأرسل لك رسالة بذلك ويخبرك فيها ان طلبك تحت الدراسة فأنك لن تستلم أي رداً منه بعد ذلك . وقد حصل ذلك معي حيث تقدمت بطلب للذهاب إلى مزرعة صغيرة لي على طريق جرش بها حارس انقطعت عنه من بداية حظر التجول وأريد الذهاب ألية لتفقده وتزويده ببعض الحاجيات ومبلغاً من المال يتدبر بها اموره حيث لا يوجد لديه اي شيئ ويعيش على احسان الآخرين ولكن من غير نتيجة .
الا انه ورغم ذلك فأن هذا لا يعني ان نتنكر لكل النجاحات التي حققتها هذه الإجراءات والقرارات ولا يجب ان نفت في عضض الفريق الحكومي والأمني والطبي الذي حقق هذه الإنجازات والتي جعلت الاردن يشار اليه في البنان والتي جعلت الاردن من انجح الدول في العالم بالتصدي للوباء واقلها في عدد الإصابات والوفيات .
وبالرغم من تفهم الكثيرين لهذه الاجراءات وتقبلهم لها ، الا انه بدأت تظهر على السطح علامات تذمر من البعض على هذه الاجراءات والاستعجال بالخروج منها رغم ان منظمة الصحة العالمية قد حذرت من الاستعجال في هذا الخروج وانها تتوقع هجمة جديدة لهذا الوباء ، وبالرغم من ادراك الجميع ان التخفيف المبالغ فيه لهذه الإجراءات قد يسمح لأعادة دخول الفيروس إلينا وإعادة انتشاره من جديد ، علماً اننا لم نقترب بعد من حدود الأمان منه .
كما أخذ البعض بشن حملات من النقد والهجوم على إجراءات الحكومة حيث لم يسلم اي قرار أو إجراء من الهجوم أو النقد ، وشمل النقد والهجوم بعض أعضاء الحكومة وفي بعضه كلها . وظهر من يطالب بأجراء تعديل عليها ومن يطالب برحيلها على اعتبار انها فشلت في حمل ملف الوباء ومعالجة تبعاته متجاهلين النجاحات الكبرى التي حققتها في هذا المجال .
وظهر من اخذ يطرح مواضيع ليس الآن اوان طرحها وان كانت هي أهدافاً لنا جميعاً مثل محاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة وغيرها وغيرها من الشعارات والمطالب وهي وان كانت مطالب مشروعة ولكنها في هذا الظرف هي أمرا يمكن تأجيله . صحيح ان الكثير من الذين ينتقدون قرارات الحكومة وإجراءاتها يحملون نوايا طيبة ولكنهم يخطئون في التوقيت والوسيلة . ولكن البعض يفعلون ذلك
خوفاً من النجاح الذي حققته الحكومة في معركتها مع الوباء لانهم يعتبرون معركتهم معها اهم ولها اولوية حتى على التصدي للوباء .
والبعض مارسوا النقد لكون هذه القرارات قد اقتربت من جيوبهم بعد ان أشبعونا شعارات ووطنيات . والبعض طالب بحل مجلس النواب دون اعتبار للمتطلبات الدستورية التي تستوجب استقالة الحكومة خلال أسبوع من الحل وإجراء انتخابات نيابية جديدة خلال اربعة اشهر من الحل في حين ان كل الظروف لا تسمح بذلك الآن . والبعض طرح طريقاً للخروج من هذا المأزق بفرض حالة الطوارئ واعلان الاحكام العرفية ولا ادري كيف يمكن الرجوع للخلف سوف يجعلنا نتقدم للامام .
والبعض طالب بعودة طلبتنا وطالباتنا من الخارج ، وعندما أعلنت الحكومة عن عزمها القيام بذلك أعلن بعضهم عن خشيته ان يؤدي ذلك إلى دخول أعداداً كبيرة من حاملي الفيروس إلى البلاد في حين ان الاردن كان من اول من قام بإرجاع مواطنية من الصين وعندما كان الوباء بها على اشده ورحب بمن يعود من المواطنين الأردنيين قبل إقفال الأجواء واسكن الآلاف ممن عادوا في افخم الفنادق لمدة أسبوعين وعلى نفقة الدولة . وقد اعتبر الكثيرون ذلك عملاً عظيماً ، فيما اعتبر البعض ذلك إسرافاً لا مبرر له . في حين طالب البعض من الدولة ان تفعل ذلك مع جميع الطلبة المتوقع عودتهم والبالغ عددهم حوالي الخمسة والثلاثين الفاً وان تتكفل بنفقات إحضارهم من الدول التي هم بها دون احتساب عدد الذين تقطعت بهم السبل خارج الاردن لتواجدهم في دول أخرى لزيارة أقارب لهم أو للسياحة أو في رحلات عمل أو مهام وظيفية وحتى رياضية ، ناهيك عن عشرات آلاف المواطنين الأردنيين المقيمين في الخارج واللذين اصبحوا يطالبون بالسماح لهم بالعودة للأردن وخاصة من الدول التي ينتشر بها الوباء انتشاراً كبيراً ودون ان يبينوا من أين ستوفر الدولة كلفة إحضارهم وإقامتهم في أماكن الحجر ذات الخمسة نجوم . ودون تقدير لما ستقوم به الدولة لدى حضورهم من مجهودات وإجراءات لكي لا تتسبب عودتهم إلى انتكاسة لكل الجهود التي بذلت للتصدي للوباء . بل ان صوتا من المفروض انه يعمل في مجال نصرة المرأة قد اعترض على ما قاله معالي وزير الخارجية بأنه ومن ضمن الأولويات التي سوف تتبعها الوزارة في اعادة الطلبة ستكون لطالباتنا من ضمن أولويات أخرى ، حيث اعتبرت ذلك نوعاً من التنمر على المرأة وممارسة عقدة الذكورية عليها في حين انه في العرف الإنساني وفي العالم كله بحضره وهمجه وعند إعطاء اولوية الإنقاذ بأي حادث تعطى الأولوية للأطفال والنساء ، وكيف ونحن مسلمون يحضنا ديننا كما تحضنا اخلاقنا وعاداتنا على احترام المرأة إلى درجة التضحية بالروح من اجل انقاذها .
كما قام البعض بطرح اقتراحات بديلة لإجراءات الحكومة أو مكملة لها . بعضها منطقي ويمكن أخذها بعين الاعتبار وبعضها كان غير ذلك والذين لم تخرج اقتراحاتهم عن نطاق الشعارات أو الشعبوية أو الجهل بحقائق الأمور . ومن ذلك المطالبة بتحميل البنوك المزيد من الأعباء مثل تجميد الفوائد وتأجيل الاقساط وزيادة مساهماتها في صناديق التبرعات ، أو صدور امر دفاع بوضع اليد على نسبةً معينة من ارباحها أو من أموال المودعين فيها أو ممن لديهم ارصدة فوق مبلغ معين متجاهلين اموراً أساسية في العمل المصرفي وأنه يعتمد على مبدأ الثقة في البنوك وإجراءاتها وتمتع أموالها بالحماية اللازمة وان هذه الثقة تزيد مع زيادة ارباحها والتي يذهب قسماً كبيراً منها لصالح حملة الأسهم والتي على اساسها يتم تحدد سعر هذه الأسهم في السوق مما ينعكس على وضع هذه البنوك وقوتها ومقدرتها بتمويل المشاريع الاقتصادية والتجارية والإسكانية . كما ان من شأن إصدار امر دفاع لخصم مبالغ من أموال المودعين دون سند قانوني من شأنه ان يفقد هذه البنوك وبالتالي الاستثمار في الاردن ثقة المودعين والمستثمرين مما سوف يؤدي إلى عمليات سحب واسعة من أموال المودعين والمستثمرين وتوقفهم عن الإيداع والاستثمار في المستقبل في الاردن كون أموالهم لم تعد في أمان . كما ان معظم الأموال المودعة في البنوك هي لصغار المودعين وابناء الطبقة الوسطى حيث ان الأثرياء والذين تخلوا عن الوطن عندما احتاج اليهم ستجد ان ارصدتهم في البنوك عبارة عن ديون وتسهيلات منها ، حيث انهم يعملون بأموال البنوك ويقومون بإيداع أموالهم وأرصدتهم في الخارج . كما ان جلالة الملك المعظم وعندما اصدر قانون الدفاع طلب ان يكون تطبيقه بالحد الأدنى وعدم المس بأموال المواطنين وحرياتهم . وبالإضافة إلى ان القيام بذلك سيعرض الحكومة لطلبات تعويض بعد إنهاء العمل بهذا القانون . كما اثار البعض ما يشاع عن رواتب خيالية لبعض مدراء ورؤساء مجالس ادارات حكومية أو هيئات مستقلة والتي لا دليل على صحتها . صحيح ان بعضهم قد يحصل على رواتب اعلى من نظرائهم في القطاع الحكومي الأمر المطلوب معالجته ولكن هي ليست بالمبالغ التي يتحدثون عنها . كما ان رواتبهم خاضعة للاقتطاع حيث ان الاقتطاع يشمل جميع موظفي القطاع العام ومن في حكمهم والعاملين في الشركات والمؤسسات التي تساهم بها الحكومة بأكثر من النصف والعاملين بالهيئات المستقلة .
وفي النهاية أقول ان الوضع الذي نعيش به وضع استثنائي ويتطلب إجراءات استثنائية ويتطلب تكاثف الجميع ومساندتهم للإجراءات الحكومية والتي تتم بناءاً على توجيهات جلالة الملك وتحت إشرافه . ولنتوقف عن تصيد الأخطاء التي يمكن ان تقع ونحن نقوم بمواجهة حالة غير مسبوقة وليس لدى احد خبرة سابقة بها . ولنتوقف عن الاختباء تحت عباءة جلالة الملك ونحن ننتقد إجراءات الحكومة بهذه الأزمة ، في حين اننا نضع العراقيل أمام من كلفهم جلالته بإدارتها ، لاننا بذلك نضع العراقيل أمام جلالته وما يقوم به والذي هو محل اشادة وتقدير العالم كله .
ويحفظ الله الاردن وشعب الاردن وقيادة الاردن