تبادلت الدول الكبرى التهم حول مصدر فيروس كورونا، الذي يُجمع الناسُ على أنه سيغير وجه العالم. فقد وجهت روسيا، ثم الصين، التهمة إلى أمريكا أنها وراء نشر الوباء، فيما ظل الرئيس الأمريكي يصر بأن الصين هي مصدر الوباء ويصفه بـ (الفيروس الصيني). وقد كثرت التحليلات والأقاويل حول هذا الأمر، ووجد الناس، على اختلاف مستوياتهم، هذا مرتعاً خصباً لطرح وجهات نظرهم المختلفة، ومحاولة إثبات صحة ما يقولون عن طريق تبادل مقاطع فيديو قديمة، واقتباسات من كتب وروايات، نٌشرت منذ عشرات السنين، حتى دخل على الخط من يقدمون تفسيرات روحانية، ثم تبعهم خبراء، وعلماء، ومفكرون، وسياسيون، ومحللون غربيون كبار، فتساوت طروحات هؤلاء مع ما يقوله رجل الشارع العادي، مما أفقد مقولاتهم وأراءهم بريقها المعهود. وهنا تساوى الناس، العالمُ والجاهلُ، في عدم فهم حقيقة ما يجري، مع أن الجميع اجتهدوا في إعمال العقل والخيال لتفكيك المشهد سعياً للوصول إلى تفسير مقنع.
تآمر ... واختراعات ... وأسلحة .... وحوادث
وفي ضوء هذا الغموض الذي يكتنف ما يجري، تظل هناك حقائق، وبديهيات، ووقائع سابقة، يمكن الاستنأس بها لتُقرب، من شغله التفكير في الأمر، ولو خطوة نحو أن يستقر عقله ووجدانه على رأي. وهناك عدة ثوابت، لا يختلف عليها اثنان، منها أن الدول تتآمر على بعضها البعض، بشتى الوسائل والطرق، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، ومنها أن بعض الإختراعات والاكتشافات، في كل المجالات، التي توصل إليها البشر نتيجة التقدم العلمي، تسبب أمراضاً لم تكن موجودة من قبل، ومنها هندسة الجينات، وأسلحة الدمار الشامل القادرة على إبادة الملايين في لحظات، من أسلحة نووية، وبيولوجية، وغازات سامة وغيرها.
التآمر: بريطانيا نقلت الكوليرا إلى مكة
من المعروف أن الدول الاستعمارية الأوروبية، وخاصة بريطانيا، كانت تسعى جاهدة لهدم الدولة العثمانية، واستخدمت كافة الأساليب لإسقاط (الرجل المريض)، كما لقبها الأوروبيون. ففي أواخر القران التاسع عشر، استغلت بريطانيا تكرار انتشار الكوليرا، في موسم الحج، فتعمدت إرسال فقراء ومتسولين، مع الحجاج الهنود، إلى الحجاز لينشروا الكوليرا، بهدف إحراج موقف الدولة العثمانية والمطالبة بوضع الحجاز تحت إدارة دولية. وفي إجراء خبيث آخر أرسلت بريطانيا، عام 1883، أحد جواسيسها ليحمل معه إلى لندن عينات من ماء ملوث زعم أنه من ماء زمزم، للادعاء بأن مكة المكرمة هي مصدر الداء.
وفي عام 1893، حصدت الكوليرا أرواح 30 الف مسلم في مكة، وفي موسم الحج التالي أرسلت فرنسا (جول جرفيه كورتيلمون)، الذي دخل مكة تحت إسم مستعار، ونشر كتاباً عن مشاهداته بعنوان (رحلتي إلى مكة المكرمة)، ناقض فيه إدعاءات بريطانيا، بأن مكة هي مركز الوباء، وشهد أن تفشي الكوليرا جاء بسبب حجاج الهند بالذات، الذين نقلوا الوباء إلى مكة. وذكر أن الأطباء العثمانيين اتخذوا إجراءات وقاية منها إنشاء حمام بخار يمر فيه الحجاج لتطهير ملابسهم فيه.
الصهاينة استخدموا جرثومة التيفوئيد عام 1948
وخلال مؤامرة نكبة فلسطين، عام 1948، استخدمت العصابات اليهودية جرثومة التيفوئيد لتهجير أهل البلاد. فبعد أن احتل الصهاينة مدينة حيفا لجأ سكانها إلى مدينة عكا القريبة. فلاحقهم الإرهابيون الصهاينة، لتهجيرهم من عكا أيضاً، التي كانت ما تزال فيها قوات الانتداب البريطاني. ثم قام الصهاينة بحقن جرثومة التيفوئيد في القناة التي توصل مياه الشرب الى المدينة. فإنتشر الوباء بين جميع من كانوا في عكا، أهلها، واللاجئون من حيفا، والجنود البريطانيين أيضاً. وحينها أُضطر الناس إلى نزوح جديد من عكا، وانخفض عدد سكان المدينة، خلال أيام قليلة، من 25 ألفاً إلى 8 آلاف.
ظهور فيروس كورونا في شبكة المياه في باريس
ومنذ أيام قليلة أعلنت بلدية العاصمة الفرنسية باريس أن التحاليل أثبتت وجود أثار لفيروس كورونا في شبكة المياه، غير الصالحة للشرب، المستخدمة في ري المساحات الخضراء والحدائق وتزويد النوافير. وتتجه البلدية الآن نحو فحص شبكة مياه الشرب. وهنا يبرز تساؤل ما الذي أوصل فيروس كورونا، الذي يُفترض أنه ظهر في الصين، إلى شبكات المياه في فرنسا؟
غاز الأورانج في حرب فيتنام
وخلال حرب فيتنام، استعمل الأمريكيون سلاحاً كيميائياً يدعى (غاز الأورانج)، ضد الفيتناميين، وهو عبارة عن مبيد أعشاب، أدى إلى قتل وتشويه 400 ألف فيتنامي، إضافة إلى نصف مليون طفل ولدوا بعيوب خلقية، جراء هذه الخليط، الذي يحتوي على مادة الديوكسين، أحد أكثر مادة كيميائية سامة معروفة للبشر. وقامت شركات أمريكية بتصنيع هذا السلاح الفتاك، المحظور دولياً، لصالح البنتاغون. وهو يتسبب في الإصابة بأمراض السرطان، والتشوهات التناسلية، ونقص المناعة، والغدد الصماء، وتلف الجهاز العصبي. وما زالت تأثيراته على الأجيال الجديدة، رغم مرور عقود من الزمن.
غازات الأعصاب في الحروب
وفي الحرب العراقية الايرانية، في الثمانينات، استخدم العراق الأسلحة الكيميائية، ضد ايران. وتنوعت المواد الكيميائية المستخدمة، وكان من بينها غاز الخردل، وغازات الأعصاب، مثل السارين، والسومان، والتابون، وغاز في إكس. كما تعرضت مدينة حلبجة العراقية، آخر أيام الحرب، لهجوم بالغاز الكيميائي، قُتل على الفور 5 ألاف من سكانها، وأُصيب 10 آلاف منهم. كما استخدمت الأسلحة الكيميائية وغازات الأعصاب السامة في الحرب الأهلية السورية، ذهب ضحيتها مئات القتلى والجرحى، شملت غاز السارين، وغاز (BZ)، وغاز الكلورين.
حوادث المفاعلات النووية
هذا في الحروب، أما الأمثلة على ضحايا إخترعات العصر الحديث فهي أكثر من أن تُحصى في عجالة. فكارثة انفجار المفاعل النووي السوفياتي، في تشيرنوبل، منتصف الثمانينات، نجم عنها تسرب إشعاعات أودت بحياة كثير من الناس، في سنوات لاحقة، أُصيبوا بأمراض السرطان والغدة الدرقية. وقبل ذلك كان حادث المفاعل النووي الأمريكي في جزيرة (ثري مايل)، سنة 1979، قد أدى إلى تسرب الإشعاعات، كالذي حدث أخيراً، قبل سنوات قليلة، في حادث المفاعل الياباني فوكوشيما.
خطوط الضغط العالي وأبراج الاتصالات والهاتف النقال
من المعروف أن تسرب الذبابات من خطوط الضغط العالي للكهرباء تسبب أضراراً صحية كثيرة مثل الصداع وقلة التركيز، والإحساس بالتعب والإرهاق، ناهيك عن السرطان وغيره، على المدى البعيد، نتيجة التعرض للموجات الكهرومغناطيسية. وكذلك تفعل أبراج الاتصالات المنتشرة بين السكان، خاصة تقنية الجيل الخامس. ففي بريطانيا مثلاً، تعرضت الأبراج للتدمير والإحراق على يد نفر يعتقدون أن هذه الأبراج هي التي تسببت بانتشار وباء كورونا. ويحمل هذه الفكرة العديدون في انجلترا، الذين يظهرون على وسائل الإعلام، بين الحين والآخر.
الخلاصة:
وهكذا يتضح أن الدول الكبرى أصبح بمقدروها تعمد نشر الأمراض والأوبئة. لذلك اتجه تفكير كثيرين نحو توجيه أصابع الإتهام، في نشر كورونا، إلى هذه الدولة أو تلك. فظهر العديد من نظريات المؤامرة حول كيف تم ذلك. لكن الأهم أن حالة عدم اليقين جعلت الحليم حيران فعلاً، فتساوى الناس في عدم استيعاب حقيقة ما جرى، سواء كان بفعل فاعل أم لا. وأصبح الموضوع فوق استيعاب عقل البشر. وعليه لا بد أن يسلم البشرُ أمرهم إلى من هو فوقهم، إلى خالقهم. فهل نعود إلى الله، جل في علاه؟ ونفوض أمرنا إليه؟