المهم الآن أنْ تفتحَ محلاتُ القطايف، وألّا يؤثرَ فيروس كورونا على توفر المواد الأساسية من طحين وسكّر وأجبان حلوة وجوز، وأنْ تفتحَ البلدُ حتى العاشرة، أو أكثر، ليتمكنَ الناس من صلوات التراويح، وتدخين مزيدٍ من التبغِ والمعسّل، وتبديد التذمُّر والضجر بتحليل انهيار أمريكا، وتبادل أخبار اختراعات الأدوية الأردنية.
ولا ننسى الجدالَ على فائدة السوس والتمر الهندي في مكافحة العطش. وإلى جوار ذلك شبه إجماع على ضرورة فكّ الحظر عن المحافظات، بما أنَّ إصابات معظمهما نادرة أو قليلة، ولا نعرفُ هل ذلك في صالح المحافظات، أم أنّ اندلاع إصابات سريعة في تجمعات متشابكة احتمال وارد، أم لا.
المزاجُ الشعبيُّ على السوشال ميديا، في حال إنكار مدهشة، وكأنَّ الأردن والجوار، والعالم كله، لا يواجهُ وباءً مُميتاً، ولا يشهدُ أياماً مؤلمة في ناسه واقتصاده وحياته، يزيدها ألماً أنَّ العدو في بدايات مساره، وأنَّ الأسوأَ ما يزالُ أمامنا.
ثمةَ ما يتحمّل مسؤوليته هذا المزاج نفسه، فالعالمُ تظلّلهُ طبقةٌ كثيفةٌ من المعلومات، والمحتوى العلمي، في متناول اللمسة. لكنّ الحكومات أيضاً تصرُّ على إخفاء المكشوف، وتتجاهلُ شرحَ القصة الكاملة لـ"كوفيد 19"، مع تصريحات رسمية محمولة على التفاؤل، وأنّ "كلَّ مُرٍّ سيَمُر" للدكتور عمر الرزاز ، و"الالتزام يُسرِّع في عودتنا لحياتنا الطبيعية" للدكتور سعد جابر. وفي المقابل، تصدمُ الحكومةَ المجتمعَ بقرارات اقتصادية، وتتركُ له أنْ يُقدِّرَ حجم الكارثة، وموعد "الحياة الطبيعية" المستحيل.
هَل يستطيعُ قطاعنا الصحي احتمال عشرة آلاف إصابة، مثلاً، وما هو الرقم المحتمل؟. هل استقرار الأصابات عند هذا الحد يعني أنَّ الأردن بلغَ الذروة، أم أنَّ الفتح الجزئي، سيوقظُ إصابات نائمة، وما هي خطةُ مواجهة الموجة الثانية من الفيروس؟. ودعكم من الرواتب والمنح والمساعدات، والأحمال الثقيلة الملقاة على ظهر الضمان الاجتماعي.
يجب أنْ يعرفَ الناسُ أنّ الإصابةَ بواقع صفر مكررة لأسبوع، لا تعني أنّ الفيروس لن يُهاجم مجدداً، وإنه "نشف.. وخلصنا"، وأنّ ظهور حالات في الأسابيع المقبلة أمرٌ طبيعي، وأنّ التباعدَ بات وسيلة أساسيةً للنجاة، مثل الكمامة، والتعقيم، وعليهم الابتعاد عن التجمعات، وقد باتوا بحاجة لشروط جديدة، للتسوق، وارتياد وسط البلد، وحضور المباريات، والذهاب إلى المناسبات الاجتماعية.. وغيره، وإلا سنشهدُ إصابات لا تحتملها مئات أجهزة التنفس الصناعي في القطاعين، ولا مستشفياتنا، ولا اقتصادنا حتماً.
رمضانُ في عصر كوفيد التاسع عشر، يختلف عنه في ما مضى. كذلك، الأعياد، والطعام، والنقل، والملابس، والعبادات، والتعليم، وكلُّ بطيخٍ بَسْمَرَهُ اللهُ على الأرض.
ما ينبغي أنْ يقوله الملك والحكومة والمؤسسات والإعلام إنَّ "الحياة الطبيعية لن تعودَ"، ليعرفَ الناسُ أنَّ التكيُّف ليس خياراً، وأنَّهم بصدد حياةٍ مختلفةٍ عن كل ما سبق، ليتمكنوا من صياغة قواعد التكيف وقوانينه وشروطه، وعقوده، فيكون هذا عليهم، وعلى غيرهم. لا يُريدُ الأردني التعايش مع الاحتكار والفساد والسمسرة في ما سيأتي. هذا مثلاً، فقط.
هذا عالم جديد. كلّ ما مضى سيتحوّلُ إلى حنين. وكوفيد 19 يكتبُ واقعاً جديداً، والتفاؤل هنا لا يعني إلا مزيداً من الإنكار الوطني العام.