رمضان .. بين المظهر والجوهر وكورونا
فيصل تايه
22-04-2020 03:52 PM
لا بد أننا فرحون بقدوم شهر الخير والبركة ولكن ؟! هل رمضان هذا الشهر الفضيل فرح بنا ؟ بالتأكيد لن يفرح.. وفي ذلك تفاصيل لا تنتهي.
يأتي رمضان هذا العام ونحن في بأس وشتات اليم وجائحة لا يعرف نهايتها احد ، فشهر رمضان المبارك شهر الخير ولمّ الشمل وإعادة احياء الروح ، بتهذيب النفس وزيادة جرعتها الإيمانية في سبيل إصلاح جوهر الإنسان ، توازياً مع الاهتمام بـالمظهر التعاضدي التكافلي المتمثل في لمات الأحباب على موائد الإفطار والتزاور والصدقات ، ليقتصر هذ العام في ظلال المواجهة المحتدمة مع فيروس كورونا على الجوهر دون المظهر ، وإن اقتصر هذا الأخير على التواصل الإلكتروني عبر الهاتف ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة .
سنشعر باختلال في التوازن بين الجوهر والمظهر ، أو بين المضمون والشكل ، لينبغي أن يُعطي الجوهر من الاهتمام والعناية والبلورة القسط الأكبر وهذه فرصة جوهرية حقيقية لتغليب مستوى الكينونة ، فقد كانت التحولات باتجاه الشكليات تجعلنا نعيش عادات وتقاليد ارتسمت ضمن طقوس حياتنا الرمضانية التقليدية ، فهل تكون الصحوة بالنظر إلى حقيقتنا بإعادة التوازن من جديد بين الشكل والمضمون، والجوهر والمظهر ، فالشواهد توحي بوجود تلك الروح الإيمانية المعتادة في استقبال رمضان ، رغم أننا عشنا بالفعل خلال الأسابيع الماضية لحظات العجز والتسليم والعبودية ، وبلغنا ذروة الخضوع للقوة الإلهية المطلقة ، ليدخل علينا رمضان ويزيد طاقتنا الإيمانية ، وينقذ قدرتنا على التحمّل ، للمسارعة إلى الرحمة والمغفرة ، علّ الله عز وجل يرفع عنا البلاء وهو كفيل به ، لكن يبدو أن هذا الجائحة لم تصب فقط الأجساد ، لكنها احّيت أيضا القلوب والنفوس ، حتى إن جاءها رمضان وجدها متيمة بالايمان ، فما سيحمله الشهر الكريم جوهراً مميزاً وشديد الخصوصية والتفرّد ، فيبسط روحانيات وينشر سلاماً وتسامياً وتبتّل لله وتنفل لعباده ، فقد رأينا بأعيننا قدرة الله على البطش بعباده ، وإن كانوا على يقينٍ مسبق بالقدرة الإلهية ، ولا يعني ذلك أن رمضان هذا العام سيزيد المؤمنين إيماناً أو سيستقبله المسلمون بيقين أعلى وعقول أوسع دراية وقلوب أكثر هداية ، فقد تكون هذه الرّدة إلى الروحانيات والإيمانيات ليست مقصورة على المسلمين وحدهم ، فمعظم الديانات والعقائد، عاد إليها أصحابها بحثاً عن مهرب أو مخبأ من ذلك القاتل الشرس الخفي المجهول .
مع هذا الوباء وفرض حظر التجوال والحجر المنزلي وتطبيق التباعد الإجتماعي وغلق لأغلب الأماكن التي تشهد تجمعات كبيرة مثل الأسواق والمراكز التجارية وحتى المساجد ، ولا يبدو أن أمد هذه الإجراءات سيكون قصيرا ، ومع حلول شهر رمضان وفي ظل هذه المعطيات ، فرمضان يأتي في ظروف إستثنائية جدا وبالتالى سنشعر ان له طعم آخر ، فأولها المساجد التي أغلقت أبوابها في وجه المصلين ، وفي هذه الحالة فإن إحياء صلاة التروايح سيكون أمرا مستحيلا فيها ، فضلا عن الصلوات الأخرى ، وكذلك لن يكون هنالك إحياء الليل بالقيام ، ولا جلسات السمر ولا السهر بعد الإفطار كما تعودنا ، ولا تجمعات مسموحة في فترة الحجر ولا أنشطة جمعوية يكون فيها تجمعات وعليه ستغيب هده المظاهر أيضا ، كما أن رمضان لطالما كان فرصة للزيارات العائلية ، فلا زيارات للأقارب والارحام ، وفي ظل تطبيق هذا التباعد الإجتماعي .
جاءت هذا الجائحة لتكون فرصة لندرك أن الأزمات التي تمر علينا إنما هي دروس وعبر للتفكر بالحاضر والمستقبل وتغيير العادات والسلوكيات التي اعتدنا عليها كروتين سنوي ، والتي لا تساعد في مواجهة الأزمات ، بل تزيدها تعقيداً تهدد حياتنا وتصبح وسيلة للزيادة في البذخ والخنوع والقبول بسياسة الواقع المفروض ، ولهذا تستطيع ان تهذب نفسك بالايمان وتلتفت لتصون حقك في حياة كريمة متوازنة فيها العبر ، وتصحح من متواليات تثقل كاهلك وتقبل التحدي ، لتتحدّث بقوة في ساعة المواجهة مع الحياة ، كي لا يخنقك الغبار المتراكم في شقوق حنجرتك ، وتتفاعل مع حياتك بطريقتك لا بطريقتها ، لتكون الاقوى ولتصل حيث حطّت قوافل حظّك ، وحينها تستجد التهذيب والتقنين في ذاتك لترقى وتنجح وتكون مبعثا للخير والبركة .
وأخيرا .. فاننا نتطلع في هذا الشهر الفضيل للاسترحام والتضرع من أجل رفع البلاء والوباء ، فاهلا بك يا رمضان لكننا نعتذر لك أيها الشهر الفضيل ، فقد كنا نودّ أن نكون بأفضل حال ، لكننا مضطرون على مقاطعة روحانيتك بمظهرها وجوهرها المعتاد ، لما المّ بنا من جوائح لا تنتهي .
والله المستعان