لماذا لا يمكننا إيقاف نظامنا الصحي؟
يزن أحمد العجلوني
21-04-2020 09:32 PM
بصفتي باحثًا بمجال الصحة العامة، فإنني أضم صوتي بالقلق بشأن فيروس كورونا إلى أصوات الجميع. بما نعلمه حتى هذه اللحظة، فإنه يمكننا القول أن هذه يمكن أن تكون أكبر أزمة صحية في تاريخ هذا الجيل. ففي أقل من بضعة أشهر، أصبح هذا الوباء هو الأولوية الصحية الأولى عالميًا ومحليًا.
ولكن بينما تتكشف الأحداث بالأردن، وبينما ندخل في الأسبوع السادس من الحظر، فإن قلقي بشأن صحة ملايين من الأردنيين يزداد شيئًا فشيئًا. على الرغم من أن المسئولين قد قاموا بالعديد من الجهود المشكورة لمتابعة توفير الرعاية الصحية للحالات الأخرى غير المرتبطة بفيروس كورونا، إلا أن هذا الموقف ما يزال بعيدًا من أن يكون طبيعيًا.
فبوجود هذا الفيروس كأولوية للرعاية الصحية حول العالم، فإن أولئك المصابين بأمراض مزمنة، مثل السرطان، قد يشعرون بالإهمال. أولئك الذين يحملون أمراضًا مقلقة من قبل أن يظهر فيروس كورونا، والذين قطعوا شوطا طويلاً في قتالهم ضد أمراضهم، قلت العناية الطبية الموجهة تجاههم في الوقت الحالي. ويمكننا أن نتفهم سبب قلقهم الهائل. فعدد كبير من هؤلاء المرضى يعاني من أمراض تضع جهاز المناعة الخاص بهم في موقف صعب، وبالتالي لا يمكنهم المخاطرة بالمخالطة في للمشفى أو العيادة أو أي منشأة طبية أخرى. بالإضافة لذلك، فإن هؤلاء المرضى يمكن أن يكونوا قلقين بشأن ما إذا كان أطبائهم، سواء أكانوا الأطباء الجسديين أو أطباء الأورام، مشغولين بمحاربة الفيروس لتوفير الرعاية لهم. ففي مثل هذه الأوقات الصعبة المحيطة بهذا الوباء، إن مثل هؤلاء المرضى يمكن أن يُتْرَكوا ويهملوا، شاعرين بأن مرضهم، الذي كان وما زال أولويتهم قبل ظهور الفيروس وحتى في مثل هذه الأوقات، هو أقل اهتمامات طبيبهم المعالج في الوقت الراهن.
لقد أظهرت الأبحاث أكثر من مرة أن مرضى الأمراض المزمنة الذين لا يمتلكون إمكانية الحصول على الرعاية الصحية لديهم فرص أكبر للإصابة بمضاعفات صحية مقارنة بأولئك الذين يمكنهم الحصول على الرعاية الصحية. فعندما تكون الدولة في حالة إغلاق تام، فإن معظم، إن لم يكن كل، مرضى الأمراض المزمنة يواجهون تحديات وموانع للحصول على الرعاية الصحية، الأمر الذي يؤدي بالنهاية للتأثير على صحتهم العقلية أيضًا، مما يضع حاجزًا إضافيًا أمام طريقهم للتعافي.
كما يفرض الإغلاق التام مخاطر صحية على الأشخاص الأصحاء أيضًا. فإن توقع أن يلتزم السكان بحصتهم المعتادة من الطعام في مثل هذا الوقت يكاد يكون أمرًا خياليًا، كما أن النشاط البدني الخاص بهم سيقل بشكل هائل. فبمثل هذه التغييرات في اسلوب الحياة، نحن لسنا قلقين بشأن أمراض القلب والأوعية الدموية أو السمنة المفرطة الناتجة من هذه التغييرات فحسب. حيثأظهرت الأبحاث الصحية عدة مرات أن أولئك الذين يمتلكون حياة مليئة بالنشاط البدني ويأكلون طعامًا صحيًا مجهزون بشكل أكبر لمحاربة الأمراض. بل في واقع الأمر، في دراسة لمتابعة الاستجابة المناعية بعد الحصول على تطعيم الإنفلونزا، فإن الأفراد الذين أبلغوا عن قيامهم بأنشطة بدنية في الفترة التي سبقت حصولهم على التطعيم أظهروا استجابة مناعية أفضل ضد الإنفلونزا مقارنة بأولئك الذين كانوا خاملين بدنيًا.
وأكثر من ذلك، لن يكون الأمر مفاجئًا إذا رأينا مشاكل الصحة العقلية تزداد بينما يستمر الاقتصاد في كونه رهينة لهذه الأزمة. المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ستستمر في الظهور وإرهاق الناس. السعادة والضغط النفسي يرتبطان بنواتج صحية متعاكسة، بما فيها تلك النواتج التي تؤثر على استجابتنا المناعية. تقليل الضغط النفسي وبقائنا سعداء ليس مهمًا فقط أثناء الأوقات العادية، بل يجب أيضًا أن يكون أولوية وسلاحًا رئيسيًا في قتالنا ضد فيروس كورونا. الرسالة واضحة: أمة بشعب صحته جيدة، ونشط بدنيًا وصحته العقلية بخير، هي أمة أكثر استعدادًا لمجابهة الأمراض. وبينما نستمر في حالة الإغلاق التام، فليس من المستبعد أن العديد من المشاكل الصحية، العقلية والبدنية، ستظهر. بما فيها تلك المرتبطة باستجابتنا المناعية، والتي ستؤثر عليها بشكل كبير.
أما في الوقت الحالي، بينما لا يوجد خيار آخر لصانعي القرار سوي الإغلاق التام، فمن المهم أن نبدأ في الاستعداد لما هو آتٍ. فبمرور الوقت أثناء الإغلاق التام، فإن الحمل الذي تسببه الرعاية الصحية المتأخرة يستمر في التزايد. يجب وضع سياسات للتأكد من توافر الرعاية الصحية لأولئك الذين يحتاجونها. فلا يمكننا رفض وتجاهل احتياجات أصحاب الأمراض المزمنة. إذا كنت أنت مريضًا، ابحث عن الرعاية الصحية، طبيبك المعالج يفترض أن يكون لديه الوقت ليوفر العناية والاهتمام لك. وعلى الرغم من الوباء، فيجب توفير سهولة الوصول إلى منشآت الرعاية الصحية في جميع أرجاء الدولة. يجب أن نولي اهتمامًا كبيرًا بالموانع التي تقف في طريق الحصول على الرعاية الصحية، تلك الموانع التي تظهر في مثل هذه الأوقات الغير المعهودة. أما إذا كنت أنت طبيبًا، قم بحث وتشجيع مرضاك ليبحثوا عن الرعاية الصحية ويجدوا مكانًا يمكنهم أن يعبروا عن احتياجاتهم الطبية به. كن موجودًا لمساعدة الناس الذين يحتاجون الرعاية. نحن ندرك أنك على الأرجح مشغول تمامًا في الكفاح ضد فيروس كورونا، والأمة بأكملها تشيد بالتزامك في الصراع ضد الوباء، ولكن مرضاك أصحاب الأمراض المزمنة قد يكونون في أمس الحاجة إليك الآن أكثر من أي وقت مضي، حتى إذا لم يفصحوا عن رغباتهم بطريقة مباشرة.
إن أمراض الناس وحالاتهم الصحية لن تتوقف مؤقتًا بسبب وباء فيروس كورونا. وبالتالي فإن نظام الرعاية الصحية يجب ألا تقل كفاءته بينما نحارب الوباء. لا توجد سياسة للتعامل مع الوباء بدون سلبيات. بكل قرار نتخذه، توجد أعراض جانبية سلبية يجب أن نحسب حسابها. والأعراض الجانبية لفرض إغلاق تام للدولة لأكثر من شهر يمكن أن تكون ثقيلة للغاية. يجب أن نتذكر أن بعض الناس لا يمتلكون خيار البقاء بالمنزل لفترات طويلة بإرادتهم. العديد من الناس يحتاجون للرعاية. فبينما يمكنهم أن يتحملوا عدم الحصول على الرعاية والعلاج لبعض الوقت ليساهموا في قتالنا ضد فيروس كورونا، فإن ثمن الرعاية الصحية المتأخرة قد يكون غاليًا. قد يصيبنا وباء آخر بعد الوباء الحالي، وباء خفي يكمن بداخل مجتمعنا بينما نتحدث اليوم. يجب أن نستعد له تبعًا لذلك.
باحث في الصحة العامة بجامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة وبمدرسة ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا بمدينة نيويورك