انخفاض سعر النفط .. كيف ولماذا ؟
د.مروان الشمري
21-04-2020 06:04 PM
لم يتوقع احد يوماً بان يرى بائعا يدفع مقابل ان يأخذ المهتم او المشتري بضاعته والدفع هنا ربما يكون نقديا طبعا او على شكل تحمل تكاليف تسليم او توصيل البضاعة المشتراه، هذا لا يحدث طبعا في علم الاقتصاد القائم على فكرة ان المشتري وهو يحتاج هذه البضاعة لانها تقدم قيمة إضافية سيدفع مقابل هذه القيمة ولكنه قد يحدث في حالات نادرة ومحدودة جدًا وهو ما حصل بالأمس بعد هبوط سعر النفط إلى السالب، فكيف ولماذا حصل هذا.
أولًا سنتحدث عن الشهور الأخيرة والتي شهدت توقفا شبه تام في حركة الطلب على النفط ومشتقاته مع حالة الشلل التي اصابت العالم وتوقف معظم فعاليات الإنتاج والنشاطات الاقتصادية وحركة النقل والتنقل والسفر وهو ما نتج عنه التوقف شبه التام في الطلب على النفط.
البعض قد يسأل ولماذا الفائض الكبير في العرض والجواب ان المنتجين او كثير منهم لا يستطيع توقيف الإنتاج لأسباب مالية تتعلق بتكاليف اعادة التشغيل فيما لو تم توقيف الإنتاج وبالتالي استمر معظم هؤلاء بالإنتاج وتخزين النفط على أمل عودة الحياة لما كانت عليه وهو الامر الذي تأخر والأمر الثاني أيضا هو شراء كميات كبيرة من المضاربين في السوق قبل توقف حركة الاقتصاد العالمي وهذين الأمرين قادا إلى فائض غير مسبوق في العرض مقابل طلب شبه صفري ولان تكاليف تخزين الوقود من قبل المنتجين كبيرة جدًا جدًا مع الوقت ولان المضاربين لا يستطيعون عادة تحمل مصاريف التخزين وهو ليس اختصاصهم أصلا فهم عندما يشترون بعقود آجلة هدفهم المضاربة على أمل ارتفاع السعر وليس لديهم نية او امكانات التخزين وبالتالي فان تكاليف الاحتفاظ بالنفط عليهم او على المنتج عالية جدًا وتفوق في اجماليتها خسارتهم لو باعوا بالسالب وهو الامر الذي دفع بهم لعرض الكميات الفائضة بالسعر السالب بمعنى انهم على استعداد للدفع على شكل نقد او تحمل تكاليف التسليم او التوصيل مقابل التخلص من هذه الكميات الفائضة.
الحرب على الحصة السوقية كانت عاملا مساهما في خفض أسعار النفط العالمية وليس النفط الأمريكي فقط: النفط يعتبر مصدرا شبه رئيسي وأوحد للسعودية وروسيا ودول الاوبك والحصة السوقية امر مهم لتأمين اكبر حصة سوقية من المبيعات ما يعني تأمين خزينة هذه الدول بالأموال التي تحتاجها الدول لتغطية تكاليفها الجارية والرأسمالية ولزيادة الحصة السوقية تقوم الدول اما بتخفيض السعر لتحفيز المشترين على شراء بضاعتها او زيادة الإنتاج والعرض وهو ما يخفض السعر ويزيد الطلب أيضا على سعر منخفض وإذا أخذنا بعين الاعتبار انخفاض الطلب على النفط بسبب جائحة الفيروس الصيني فان السعودية وروسيا عملتا على تعويض خسائر فروق الطلب بزيادة التخفيض لتشجيع المشترين وتامين ايرادات تحتاجها تلك الدول أيضا على المدى القصير بسبب الظرف الطارئ الذي يستدعي انفاقا وهو ما يتطلب أموالًا لتغطية نفقات في ظل توقف النشاطات في تلك الدول ومنها تكاليف أزمة كورونا وإدارتها.
اما المضاربون فهم ليسوا مهيؤون لتخزين النفط وعادة ما يشترونه ويعيدون بيعه خلال الحركة الاقتصادية الاعتيادية فيقومون بالشراء الآجل بسعر معين ولا يحتفظون بالنفط لان من يتحمل مسؤولية تخزينه هم البائعون وليس المشتري للعقد الآجل ونظرًا لتوقف الطلب على السلعة خلال الأشهر الأخيرة فقد وصلت سعة التخزين لدى المنتجين إلى أقصى طلقة وليس هنالك قدرة للمضاربين على البيع عند اقتراب موعد التسليم أيضا بسبب توقف الطلب وبالتالي الحل الأوحد لهم كان البيع بالسالب سواء المنتجين او المضاربين فكلاهما يريد التخلص من الكميات المخزنة والتي تكلف أموالًا طائلة.
نقطة اخيرة مهمة وهي ضمان توازن العرض مع الطلب عند استئناف الحركة الاقتصادية فهؤلاء المنتجين يفضلون الخسارة الآنية على ان يستمر فائض العرض عند استئناف عجلة الاقتصاد وهو ما سيسبب خسائر أخرى لهم وبالتالي التخلص من الكميات الان قد يساهم في تضييق الفجوة بين العرض والطلب في المستقبل هذا طبعا اذا تم استهلاك هذه الكميات ولم تبقى قيد التخزين ايضآ لحين استئناف الحركة الاقتصادية.
نظرية العرض والطلب وتكاليف التحفظ على المنتج وتوقعات المستقبل ومحاولة السيطرة على فجوة العرض مع الطلب هي التي تشرح ببساطة ما حصل وكل ذلك طبعا مرده إلى توقف حركة الاقتصاد العالمي والإنتاج بشكل أساسي ثم إلى حرب الحصص السوقية.
ما يعنيه هذا للأردن هو تمامًا ما وجه به الملك عبدالله بضرورة الاستفادة من الانخفاض لزيادة المخزون الاستراتيجي للنفط في الاردن وهو ينم عن ذكاء الملك وقدرته على تبصر الفرص الاستراتيجية وهو ما على الحكومة فعله
استاذ الإدارة الاستراتيجية في جامعة تكساس