أمريكا .. احتجاج من أجل حرية الإصابة بـ"كورونا"
21-04-2020 09:47 AM
عمون - قادت مجموعات من المحتجين في جميع أنحاء الولايات المتحدة هذا الأسبوع بداية سلسلة احتجاجات صغيرة، كانت تحمل عنوان "أعيدوا فتح أمريكا".
وقد استهزأ المواطنون المحتجون بإرشادات التباعد اجتماعي في أثناء حملهم بنادق نصف آلية بشكل علني، وقيامهم بالتلويح بالأعلام الأمريكية، وبعلامات الصليب المعقوف.
وقاموا بإطلاق هتافات تدعو إلى احتجاز النساء الديمقراطيات، وطرد كبار خبراء الأمراض المعدية في البلاد.
وفي مرحلة ما من الاحتجاجات التي نظمت أمام مبنى الكابيتول في ميشيغان، عرقلت المجموعة المحتجة طريق سيارة إسعاف متجهة في طريقها إلى مستشفى قريب!
وبالنسبة لأولئك الذين اختاروا وضع ثقتهم بالعلوم خلال انتشار الوباء، فمن الصعب عليهم تفسير مثل هذه الاحتجاجات في الوقت الذي يقوم فيه الفيروس القاتل -الذي ينتشر بسهولة عن طريق الاتصال الوثيق من قبل أشخاص قد تظهر عليهم وقد لا تظهر عليهم أعراض المرض- بتدمير البلاد.
ولكن لا ينبغي أن تكون فعاليات التحدي العامة لهذا الأسبوع مفاجأة؛ فالمسيرة من أجل حرية الإصابة هي الاستنتاج المنطقي لحركة أقصى اليمين التي يمولها المانحون، والتي يقودها "جوكيات الصدمات" في حركة الحرية، والتي كانت دوماً متواجدة هنا
إن قليلين هم الذين يستطيعون تمثيل هذه الحركة بشكل أفضل من أليكس جونز من خلال ما يطلق عليه اسمInfowars . وهو الذي كان أحد الشخصيات الرئيسية في مسيرة يوم السبت التي كانت ترفع شعار "إنه لا يمكنك إغلاق أمريكا" في مسيرة أمام مبنى الكابيتول في أوستن- تكساس.
لعقود مضت، بنى السيد جونز إمبراطورية إعلامية مزدهرة مستغلًا الخوف -الحقيقي والمفهومي- والهلع، والغضب؛ مما قاد بدوره إلى زيادة مبيعات مكملات الفيتامينات، ومعدات التهيؤ للطوارئ في متجره الشخصي
إن إستراتيجية الـ Infowars بسيطة، فهي تقوم على: ترسيخ عدم الثقة العميقة في كل السلطات، مع الترويج لواقع تآمري مغرٍ بديل! حيث تتوفر لدى السيد جونز من خلال مؤامراته الغريبة كل الإجابات
لقد حصل على ثقة عدد لا يستهان به من الأمريكيين، واستخدمها لتغذية غروره وحسابه المصرفي. وهو لا يسمح للواقع أن يقف في طريقه أبدًا (والمثال على ذلك تنظيمه احتجاجًا ضد أمر البقاء في المنزل في تكساس بعد يوم من إعلان الولاية نيتها البدء في جهود إعادة فك الإغلاق بحرص خلال الأسابيع القادمة)
لقد ذكر لي موظفون سابقون كانوا عند السيد جونز أنه سيد التلاعب في الحقيقة من خلال طرحه نظرة عالمية مريحة، حيث يقع أتباع الـ Infowars والمستمعون لهم بشكل دائم ضحية قوى مؤسسية مؤثرة.
وقد أبلغني أحد الموظفين السابقين في عام 2017 أنهم ظلوا يقولون: "نحن المستضعفون "- وكان هذا هو شعارنا . ولجعل هذا يؤثر ، فقد كان يقوم السيد جونز بصياغة أخبار اليوم عن طريق سرد اختلاقات تآمرية
إن فيروس كورونا -الذي لا نعرف عنه الكثير، والذي يتغير رأي الخبراء فيه باستمرار- هو موضوع شبه مثالي لأتباع الـ Infowars وتناسبهم الأخبار لروايتها بجنون الشك
إن مسألة عدم اليقين بشأن أصول الفيروس في الصين هي نقطة انطلاق وتعويم النظريات غير المتيقنة حول الأسلحة البيولوجية. وقد أصبحت المناقشات التي تدول للوصول للقاح من أجل القضاء على الوباء عبارة عن مؤامرات تدور حول قادة التكنولوجيا المليارديرات الذين يدفعون للسيطرة على أعداد السكان
إن تغير الإحصاءات الوبائية التي تظهر عددًا أقل من حالات الوفاة المتوقعة لفيروس Covid-19 (لأن التباعد الاجتماعي قد أدى عمله في إبطاء العدوى) يوفر فرصة مفتوحة للسيد جونز للتحدث عن عمليات الإغلاق الناتجة عن البقاء في المنزل. حيث تصبح المخاوف الحقيقية بشأن فقدان الوظائف الكبير وغير العادل، والركود الاقتصادي، هي النظريات المتهورة للخطط التي يقودها الديمقراطيون لمعاقبة المواطنين الأمريكيين من خلال دفعهم إلى الفقر
وتتلاءم مكاسب جونز الانتهازية بدقة مع إستراتيجية يمينية أكبر نمت جنبًا إلى جنب مع الـInfowars . مثلما ترتبط مسيرات الـ Infowars بالمصلحة المالية لوسائل الإعلام في جنون الشك المعادي للحكومة، وقد تم دعم عدد قليل من مسيرات هذا الأسبوع من قبل المنظمات السياسية ذات العلاقات مع الحزب الجمهوري وإدارة ترامب.
وبصرف النظر عمن يقف وراءهم، فإن الهدف هو زرع الانقسام، ومحاولة إعادة تشكيل الرأي العام. وقد كتبت جين كوستون من Vox أن هذه الفعاليات "قد صُممت للتحريض في مناطق تصويت الجمهوريين في الولايات ضد جيرانهم الذين يصوتون للحزب الديمقراطي، حتى الجمهوريين الريفيين ضد الجمهوريين الحضريين! ."
ومن المهم أن نلاحظ أن الاحتجاجات الداعية إلى إعادة الفتح كانت صغيرة بشكل عام (على الأكثر، كانت عبارة عن مئات الأشخاص في ولايات تضم الملايين من المواطنين الذين لزموا بشكل مسؤول المنازل) وهي لا تعكس حتى استطلاع الآراء الذي أجراه العديد من المحافظين
ولكنها تتساوق بدقة مع ألعاب الحملات الدعائية الكبيرة، وتكتسب أهمية هائلة. وهي تحدث بشكل متكرر في الولايات المتأرجحة التي ليست فيها غلبة للجمهوريين أو الديمقراطيين، أو في الولايات التي يديرها حكام ديمقراطيون، ويتم بثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويتم الإبلاغ عنها في المنظمات الرئيسية، ويتم الإشادة بها بشكل مفتوح من قبل أخبار "فوكس" ووسائل الإعلام اليمينية، وينتهي بها المطاف بتضخيمها -ضمنيًا أو صريحًا- من قبل الرئيس
وقد نجحت هذه الإستراتيجية بشكل جيد في السنوات الأخيرة، معززة الدعم داخل قاعدة تأييد ترامب
وكحركة سياسية، يستمتع جمهور "اجْعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" بتحويل انتقادات المعارضين الأيدولوجيين إلى شارة شرف. إن المواجهة من أي نوع هي عملة، والناس الذين يسيئون لأفعالهم يمنحونهم إشارة تأكيد أنهم على حق.
وتضع عقلية الـ MAGA أولويات الحرية قبل كل شيء، خاصة التحرر من الاستبطان، والاعتذار، أو الاعتراف بالهزيمة، لكن الحركة التي يتم إنشاؤها منذ احتجاجات حزب الشاي خلقت استجابة انعكاسية بين كل من جمهور جونز وأنصار ترامب من أقصى اليمين
إن هذا الرد يتخفى تحت شعار التحرر، ولكنه نسخة محرفة من جنون الشك والعنصرية
وقد عرّفها المحرر الناقد "توم سوكا" مؤخراً بأنها أيدولوجية سياسية؛ حيث إنه يُشْترط على مؤيديها "الاعتقاد بأن التفكير في احتياجات أو اهتمامات الآخرين بأي شكل من الأشكال هو استبداد".
وهذا الرفض الشامل من التفكير الجماعي، كما تشير إليه نائبة السيدة آنا ميرلان، هو حجر الزاوية لحركات مكافحة اللقاحات، و"حرية الصحة" التي ترفض الصحة العامة؛ لأنهم "يعتقدون أن خياراتهم هذه لا تؤثر في الآخرين."
والذين لم يتم ذكرهم من قبل المتظاهرين هم العمال الذين يعملون على إبقاء أمريكا مفتوحة بالفعل، والكثير منهم الذين يخشون على صحتهم، والذين لا يملكون الخيار في المجتمعات التي دمرها الفيروس.
والنتيجة -كما وصف زملائي في "التايمز" يوم السبت- كانت "صورًا لمتظاهرين من البيض تقريبًا، يطالبون الحاكم بتخفيف القيود في أثناء رفع شارات ترامب، وأعلام المعارك الكونفدرالية، حيث يؤثر الفيروس بشكل غير متناسب في سكان ميشيغان السود"
إن الحركة الاحتجاجية هذه ضد فيروسات كورونا هي مجرد التقاء بين أيدولوجية الحريات المنحرفة -التي شحذها ودفعها السيد جونز، وجماعات المصالح اليمينية، ووسائل الإعلام الموالية لترامب- وديناميكيات نظام المعلومات البيئي على الإنترنت الذي يعطي الأولوية للصراع من أجل توليد الاهتمام.
عندما تلتقي تكتيكات أسلوب الـ Infowars مع المنصات عبر الإنترنت، فإن النتيجة هي تبسيط جميع الحجج الدقيقة للعلم والسياسة في صراع مبسط بين الوطنيين والطغاة، وتزدهر مثل الاحتجاجات الصغيرة بشكل غير صحيح في رواية وطنية كاذبة
وهكذا نحن هنا في عام 2020؛ فهم يحتجون على عمليات الإغلاق على مستوى الولاية التي تهدف إلى إنقاذ الأرواح، بينما يصاب آلاف الأمريكيين في جميع أنحاء البلاد بالمرض، ويموتون كل يوم.
إن هذا الفيروس الذي يتطلب جبهة موحدة، حيث تكون صحتنا العامة بنفس قوة مواطنينا وحتى الأقل يقظة منهم، والذي جاء في لحظة استقطاب شديدة يعتبر أمرًا مأساويًّا، لكن هذه اللحظة هي اللحظة التي كنا نتجه إليها منذ سنوات.
ولذا؛ فإن احتجاجات "إعادة فتح أمريكا" تبدو غير معقولة، ويمكن التنبؤ بنتائجها بالكامل.
إن كتاب التشغيل ليس جديدًا، غير أن الشيء الوحيد الذي تغير هو المخاطر التي تتصاعد كل يوم.
المصدر: نيويورك تايمز