أبرزت المواقع الاخبارية الاردنية, ويمكن القول إنها استقوت بتصريحات وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون , التي انتقدت فيها بعض الدول التي أقامت جدراناً افتراضية لحرمان مواطنيها من الانترنت , ووصفها لهم بأنهم يخالفون حق البشر في التواصل مع بعضهم البعض, لأن الانترنت يعني الاتصال وليس الانقسام, وكان بارزاً في التصريح نبرة التهديد , حين أكدت أن واشنطن لن تقف متفرجه, بينما الشعوب محرومه من حريه التعبير ومن حرية الوصول للمعلومة واستعمال الانترنت, كما كان واضحاً حجم الغضب في وصفها الحكومات التي تفرض رقابتها على الشبكة العنكبوتية بالتسلطية والدكتاتوريه.
لايمكن لأحد أن يلوم هذه المواقع على تبنيها لما أعلنته كلنتون, رغم أن معظمها اعتاد معارضة المواقف الاميركية من كافة القضايا, والسبب أن حكومتنا سارعت بتبني قرار محكمة التمييز القاضي باخضاع الصحافة الالكترونية لقانون المطبوعات والنشر الذي يحد من حريتها, وهي تسعى لتشريع نظام تخضع بموجبه المواقع الاخبارية لهذا القانون , رغم أن الملك أعاد التأكيد أكثر من مرة بأن السماء هي سقف الحرية الصحفية, وكان من حق هذه المواقع اعتبار الموقف الحكومي استهدافاً لها ومحاولة لخفض سقف حريتها التي تعتمد عليها في جذب القراء, خاصة التعليقات التي يتبرع بها هؤلاء للتنفيس عن ما في صدورهم.
نعرف جميعاً أن التوتر بين المواقع الالكترونية والحكومة ليس جديداً, مثلما نعرف أن السلطات تعتبر أن الكثير من التفلت يسود هذه المواقع, وأنه لابد من وضع حد لذلك, لكن ما كان يردعها عن ذلك هو الخشية من اتهامات جاهزة بمحاربة الحريات الصحفية, لكن قرار التمييز كان طوق النجاة بالنسبة للحكومة, والقشة التي ستقصم ظهر البعير بالنسبة للمواقع, التي تعلمت درساً من إصدار الحكومة الجديدة مدونة السلوك الاعلامي التي قضت على امتيازات المواقع في الاعلان الحكومي, وقد سارعت هذه المواقع لاعلان التزامها باصدار ما وصفته ميثاق شرف في محاولة لمنع الساعين لتقييد حريتها من تنفيذ خططهم, هذه الخطوة كانت ضرورية, لان ناشري المواقع الجدية يعرفون بأن بعض المواقع تستغل كمنابر لاغتيال الشخصية, وابتزاز الاعلانات من المؤسسات الحكومية وغيرها.
حكومتنا الرشيدة سارعت بعد تصريحات كلنتون وعلى لسان الصحفي المتميز الاستاذ سميح المعايطة بصفته المستشار السياسي لرئيس الوزراء للتأكيد بانها غير معنية باستهداف المواقع الالكترونية, وأن موقفها ثابت من دعم الحرية بمفوهمها الواسع,- ماذا عن المفهوم الضيق ؟؟ - وتأكيدها مجدداً أنه لا مساس بالحريات الصحفية, وأنها تتعامل مع ما تحقق من حرية في وسائل الاعلام الالكتروني كمنجز, تحترمه وتتطلع إلى تعزيزه ما أمكن, وأبلغت الحكومة هذه المواقع أنه لا معركة بينها وبين الصحافة الالكترونية, وأنها ترحب بالنقد البناء, و تحترم الرأي والرأي الاخر, وأنها لن تلجأ إلى أي صيغة تقرها بعيدا عن التشاور مع ناشري الصحف الالكترونية, وترحب بالتنسيق مع كافة الاطراف وصولاً الى صيغة مناسبة.
المعركة التي انفتحت توشك على الانتهاء بعد تصريحات كلنتون, ليس هناك فائز أو خاسر, لكن على الجميع التعلم من الدرس, الحكومة مدعوة لعدم اقتناص الفرص للضغط باتجاه الحد من حرية الصحافة, والعمل على تنظيم تلك الحرية خدمة للمواطن, والمواقع الالكترونية مدعوة لمراجعة بعض التصرفات في بعضها, وهي تصرفات بعيدة عن المصلحة العامة, إن لم نقل إن بعضها لم يكن أخلاقياً, ولا يتماشى مع أصول المهنة الشريفة .