تحمّل الأردن أعباء جائحة الكورونا فوق طاقته، واستطاع أن يتعامل مع مرحلة الخوف من المجهول بقدر وافر من الشجاعة والعزيمة والتفاعل مع التطورات حتى تمكن من جعل المخاطر التي هددت السلامة العامة تحت السيطرة إلى حد كبير، ذلك انجاز وطني لا يمكن التقليل من شأنه، رغم الأخطاء والتجاوزات، خلال عملية استيعاب الصدمة أو الدهشة على مستوى العالم كله.
تجاوز مرحلة معينة في حدود طبيعتها من حيث الإجراءات الوقائية، والتكامل والتضامن بين مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، والتجاوب الشعبي مع أوامر الدفاع بنسبة جيدة، قادنا إلى مرحلة التأقلم التي أشار إليها رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز في التصريحات التي تضمنت مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى ترسيخ التكافل الاجتماعي، بما في ذلك التبرعات لصندوق همة وطن، وصناديق الرعاية الاجتماعية، وغيرها من المبادرات الداعمة للقطاع الخاص كي يتمكن من المحافظة على بقائه، واستئناف عمله، وكذلك تأمين تكاليف الحياة الكريمة للفئات الضعيفة، ومنها عمال المياومة.
تلك خطوة على الطريق ربما هي متواضعة بعض الشيء، وقد تكون متأثرة بعملية التأقلم التدريجي، ولست أشك في أن رئيس الوزراء يعرف جيدا الخطوات التي لم يقدم عليها الآن ضمن حسابات المرحلة الراهنة، لكنه ألمح بشكل واضح إلى أن الحذر واجب، وأننا لا بد أن نستعد لأسوأ الاحتمالات، معتمدين على أنفسنا خلال مرحلة التعافي، أي تعافي الدولة من الأضرار التي ألحقها الفيروس باقتصادها الوطني، وبتعطيل حيويتها ومشاريعها ومصالحها العامة!
الاعتماد على الذات لم يعد شعارا أو عنوانا نظهر من خلاله عزيمتنا الوطنية، إنه اليوم عملية معقدة جدا حين نضع في الاعتبار الكيفية التي ستكون عليها عمليات استيراد المواد الأساسية من الأسواق الدولية، من حيث توفر تلك المواد وإمكانية نقلها، ومن حيث احتمال أن تتحفظ الدول المنتجة على عمليات التصدير، ذلك تماما ما أراد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين أن يلفت نظر الحكومة إليه عندما دعاها إلى إنشاء قاعدة بيانات وطنية تتضمن تفاصيل المخزون الإستراتيجي.
الأحمال ثقيلة، والاحتمالات مفتوحة على الأسوأ، وما يواجهنا في القريب العاجل من عقبات يفرض علينا التحول من الإجراءات الحكومية إلى الإجراءات الوطنية على مستوى الدولة كلها وجميع مؤسساتها العامة والخاصة، من خلال عملية تشاورية إجرائية، تخرج الحكومة من عقدة ردود الأفعال، إلى سلامة النهج والتوجه، وتحمل المسؤولية العامة من قبل الجميع، أفرادا وجماعات ومجتمعات وسلطات ومؤسسات وهيئات، تتوزع الأحمال ضمن قياسات علمية وعملية وتواجه الاحتمالات مهما بلغت قسوتها ، فمعركتنا اليوم تتعلق بالحياة نفسها، وليس بالفيروس المحمل برسائل عديدة سيمر وقت طويل حتى نقرأ آخرها!