ما زال الجنرال كوفيد 19 يخوض حربه ضد العالم دون هوادة، ويردي الاف الضحايا دون أن يرف له جفن، أو يهتز له ساعد ، ويبدو أنّه لن يسقط مضرجا بالمعقمات و غاز الكلور أو دواء الملاريا، قبل أن يثخن بالقتل، و يمرغ أنوف النماريد من زعماء أقوى الدول بالكمامة، أو بالتراب، أو أن يقودهم إلى قفص الاتهام أو العزل من شبهة عطسة، ليذكرهم بعدم جدوى مئات الصواريخ العابرة للقارات وأطنان الذخيرة والاف الدبابات، وأنّ تحصيناتهم وحاملات طائراتهم أضحت أوهي من بيت العنكبوت، وأنّه آن الأوان ليتوقفوا عن الزمجرة والتهديد والوعيد و يبحثوا عن كمامة كتان صينية الصنع..

كوفيد 19 يمضي قدمًا غير آبه بتغير وجه العالم ، بدءًا من التعاملات الإنسانية المباشرة التي ستنكمش، مقابل التعاملات الانسانية الافتراضية عبر الانترنت، سينشط التعليم عن بعد، وسيخرج علينا خبراء السوفت وير ببرامج للدراسة والعمل عن بعد، والشراء وأنت مستلقٍ على أريكة المنزل، ، وحتى الثقافة ستأخذ منحى جديداً، لن يهتم الجيل الجديد لقراءة التاريخ وآخر ما صدر من فتاوى، حول دعاء دخول الحمام و حكم نقض دم البرغوث للوضوء..

سينصب تركيز الناس على الاهتمام بالصحة والنظافة والتغذية والصداقات عن بعد، وسيتم طرح الكثير من العادات والتقاليد القديمة في ارشيف الذكريات، لن تعود التجمعات الحاشدة مرغوبة، ولا حفلات الزواج المترفة أو الجاهات العرمرمبة مقبولة، وربما ستنتهي عادة التقبيل بين أفراد الجنس الواحد، وستمنع زيارات المرضى دون تصريح ، وستزيد اجراءات دخول المطارات تعقيداً، وستزدهر صناعة التامين الصحي، وستفتتح الجامعات كليات وتخصصات جديدة في علم الجائحات و الأوبئة والبيئة، وستضاعف مرات ومرات التجارة الالكترونية، وعلى مستوى شراء السلع التقليدية البسيطة، من قبيل شراء الجميد كركي والشماغ السويسري..

وعلى صعيد الدول فستتعرض كثير من التحالفات إلى الانهيار أو التبديل أو تغير البوصلة، وستأخذ الصناعات الحربية منحنى جديداً، وستتفتق أفكار القادة العظام ومراكز البحوث العسكربة عن سيناريوهات للغزو والحرب والسيطرة لم تكن بالحسبان، وقد نشهد انتهاء عصر الدبابة والطائرة الشبح، ليحل مكانها الفيروس الشبح، وبدلا من الطوربيد البحري سيكون الكوفيد الفضائي .

كوفيد المتخفي بالاسم الحركي المعروف كورونا يحقق اهدافه، ويعيد فكفكة العالم ويقوم بترتيب القوى والثروات والأولويات ، فبدلا من من الانفاق على المفاعلات النووية تحت الارض، سيتم انشاء المختبرات البيولوجية و الفيروسية والكيماوية تحت الارض، وفوقها مختبرات تصنع اللقاح والعلاج..

استراتيجيات الدول ستتجه إلى سياسة الاكتفاء الذاتي إن استطاعت، وأولها في الصناعات الطبية وما تشمله من أجهزة وأمصال مضادة، وسيتم تسخير مراكز البحث لتطويرها وتصديرها بدلاً من الاسلحة والذخائر التي وقفت أمام بطش الكورونا دون أن تنبس ببنت طلقة.

لقد أثبت الاكتفاء الذاتي الصناعي والزراعي جدارته وقيمته وصعوده بعكس مؤشر بورصة الذهب والنفط، فقد أعاد الوباء الاعتبار لرغيف الخبز وحبة الليمون والجوز واللوز التي وقفت رفيق سلاح مع كمامة الكتان، باعتبارها آخر جيوب المقاومة أمام جيوش فيروس كوفيد 19 الذي أذاق العالم ويلات لم يشهدها التاريخ، بعد أن قطع أوصال المدن وألزم العالم بالاعتقال الذاتي، و نشر الهلع والشك، وأنهى ثقافة الاسترخاء، وهو ماض لفكفكة نظام حياتنا، ويعيد تأثيثه من جديد..