قلة من المسؤولين والمؤسسات في الأردن تحظى بمصداقية محافظ البنك المركزي الدكتور زياد فريز ومؤسسة “المركزي” التي أخذت دورا متقدما في التعامل مع أزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية، ونحن في خضم الأزمة التي نعيشها، فإن أكثر ما نحتاجه هو أن لا ينتقل الهلع الصحي الى ارتباك اقتصادي بسبب بعض القراءات الخاطئة والمجتزأة للاقتصاد وما يمكن أن ينجم عنها، وأيضا وفقا لرغبة البعض أن يمارس دورا خلال فترة الحجر وإطلاق تقارير أو استنتاجات خالية المضمون ولا تستند الى حقائق.
تحدث المحافظ، في ندوة عبر تقنية الاتصال نظمها منتدى الاستراتيجيات الأردني عن بعض الجوانب المتعلقة بالسياسة النقدية وبعض الأساسيات التي تحكمها؛ حيث تطرق الى المرونة والتغييرات التي ميزت استجابة السياسات خلال الأشهر القليلة الماضية، وجاء تبني برنامج التمويل الوطني لتمويل إدارة تمويلية بأسعار فائدة ميسرة وشروط مرنة مع التأكيد أن البنك المركزي ليس مؤسسة خيرية بل مؤسسة تعنيها سلامة الوضع المالي وسلامة الودائع، وهذه مسلمات من العبث وغير المجدي نقاشها.
أما الاحتياطيات الأجنبية التي يمكن أن تتعرض لضغوطات بسبب الأزمة، فإن الدلائل تشير الى استقرارها، فالأردن سيفقد بعض مصادر العملات الأجنبية المتأتية من السياحة، ولكنه سيوفر عملات أجنبية أيضا من ثلاثة مصادر تتمثل بالانخفاض المتوقع في الصادرات بشكل عام ومن مستوردات الأردن من النفط ومشتقاته بشكل خاص، وكذلك ستتراجع نفقات السياحة الخارجية بسبب الظروف السائدة، مما يعني أن الحصيلة ستكون متوازنة الى حد كبير، وخلال العام الحالي لا يتوقع انخفاض حوالات العاملين بنسبة كبيرة بالنظر الى أن الدول التي يتواجد فيها أكبر عدد من الأردنيين تتمتع بموارد وعمق مالي سيجنبها المآلات الصعبة للأزمة الحالية. والخلاصة أن العجز في الميزان الجاري كنسبة من الناتج المحلي سيرتفع عما هو مقدر وقد يصل الى 5 في المائة، ولكنه يبقى ضمن الحدود الآمنة والمقبولة. والدليل على ذلك أن المصارف تمارس عملها كالمعتاد ويجري تمويل الاعتمادات وتنفيذ التحويلات، وهذا هو المطلوب خلال هذه الفترة الحرجة.
يضاف الى ذلك أن علاقة الأردن مع صندوق النقد الدولي تمر بمرحلة جيدة؛ حيث إن الأردن، وحسب تصريحات سابقة لوزير المالية، هي الدولة الوحيدة التي أقر برنامجها عبر تقنية الاتصالات في عز أزمة كورونا، وذلك كبادرة لدعم جهود الأردن، وعموما سيحصل الأردن على تمويلات إضافية وبشروط ميسرة، مما سيعزز رصيد الاحتياطيات الأجنبية، ولن يتسرع الأردن بالذهاب الى السوق الدولية خلال المرحلة الحالية الى حين انجلاء الأمور واستقرارها، وبالتالي تحسين شروط الاقتراض من السوق الدولية.
المحافظ تطرق أيضا الى قرار تأجيل توزيع أرباح على المساهمين هذا العام، معتبرا أن هذا إجراء تحوطي لضمان تجنب أسوأ السيناريوهات، وفي هذا اقتضاء بممارسات العديد من الدول الأخرى، وهو قرار سيبقى موضع جدل لكنه منح بديلا للبنوك من خلال آلية توزيع أسهم.
الخلاصة أن الوضع المالي، في بعده النقدي، يمنح الثقة بأن الظروف الصعبة لن تغير من الفرضيات الأساسية أو “المرساة” التي اعتمدت على مدى السنوات الماضية، وفي كل مرة نجح الأردن بالعبور، وهناك بطبيعة الحال كلف تترتب على ذلك، لكن أسوأ الأمور خلال المرحلة الحالية التشكيك بالمتغيرات على المستوى الكلي والاجتهاد في غير موضعه، فالصراحة مطلوبة ولكن الاحتكام الى الأرقام الفعلية والأدوات المتاحة التي لم تستخدم بعد، ينبئنا بأننا سنعبر هذه الأزمة وإن كان ذلك بثمن سنتقاسمه جميعا.(الغد)