من المقولات الاقتصادية الطريفة ذات المغزى العميق أنه "لو التقى اقتصادييّن اثنين فإنك سوف تجد ثلاثة آراء". وهذا يدل على أن الظاهرة الاقتصادية كأحد مجالات الدراسة في العلوم الاجتماعية تتأثر بعوامل معقدة ومتداخلة ليس من السهل التعامل معها، وبالتالي فإن حدوث أي سلوك اقتصادي يحمل تفسيرات عديدة. هذا بالنسبة للأحداث الاقتصادية الماضية أو الجارية، فما بالك بالتنبؤات المستقبلية بالأحداث الاقتصادية التي يتداخل فيها الاقتصادي بالسياسي بالاجتماعي وغيره من المتغيرات.
إن الاقتصاد حصان جامح شرس له فرسانه وأهل الاختصاص فيه الذين يدرسون السنوات الطوال في تخصصات الرياضيات والإحصاء وعلوم الإدارة والتمويل والعلوم السلوكية مثل علم النفس والاجتماع والسياسة والقانون، في سبيل فهم طبيعته ومتغيراته وما يؤثر فيه من خلال نظريات وقوانين علمية نتجت من آلاف الدراسات والأبحاث والرسائل العلمية التي أفنى كثيرون حياتهم في إنتاجها. ومع ذلك كله فإنه ليس من السهل على هؤلاء المتخصصين الجزم بمستقبل التغيرات الاقتصادية؛ فكيف بمن ليس له تخصص وعلم بخباياه وأسراره الكثيرة!!
تخيلوا لو أننا أوكلنا إدارة الأزمة في جانبها الصحي إلى المعالجين بالأعشاب والوصفات الشعبية دون الأطباء والخبراء في الإدارة الصحية والوبائيات، أو أوكلنا إدارة الملف الإعلامي لنجوم الاستعراض على وسائل التواصل والباحثين عن "اللايكات" ولم يوكل للوزير الرزين أمجد العضايلة!
إن إدارة الملف الاقتصادي بكل تفاصيله لا يقل أهمية وحساسية عن إدارة باقي الملفات. وبما أن المحتوى الإعلامي للمعلومات الاقتصادية من خلال الكتابات الصحفية أو وسائط التواصل الاجتماعي له من التأثير الكبير على المجتمع وعلى معنوياته وقرارات أفراده ومؤسساته في مواجهة الأزمة؛ فقد بات التشديد عليه ضرورة لا تقل أهمية عن التشديد على المحتوى الإعلامي الطبي والأمني، فالآثار السلبية للتحليل الاقتصادي غير المتخصص والمعلومة الاقتصادية الخاطئة كما هي آثار المعلومة الطبية والأمنية الخاطئة.
بما أن غلطة الشاطر بعشرة في القضايا الاعتيادية، فإن غلطة إعلامي محترم وصاحب مصداقية عالية كالأستاذ ماهر أبو طير احتسبت عليه بآلاف أو حتى مليون، لأنه شخص موثوق وصاحب اطلاع وذو خبرة بخفايا البلد وقضاياه وهمومه. وقد بعثت للأستاذ أبو طير تعليقاً على صفحة الفيس اليوم صباحاً (قبل تصريح الوزير العضايلة) بخصوص توفر الرواتب بأن المقال مغرق في السلبية وأن ما تفضل به يفتقر إلى الدقة والموضوعية، خاصة وأنه لم يذكر أي إيجابية أو فرصة نتجت عن الأزمة. وبالتالي فإن هفوة الأستاذ أبو طير كانت "هبوطاً غير اضطراري " لأنه خاض في تنبؤات اقتصادية فيها الكثير من عدم الدقة وفقدان التوازن في الطرح، فضلاً عن الظرف الحساس الذي نحتاج فيه للحفاظ على التوازن في مواجهة الأزمة لأنه لم يذكر أياً من الإيجابيات والفرص الكثيرة للأزمة. وكان الأحرى به الرجوع إلى أهل الاختصاص لأخذ رأيهم قبل الكتابة في هذا الشأن وبهذه القوة.
إن ما سلف من نقد لما كتبه الأستاذ ماهر يجب ألا ينتقص من فضل الرجل، ولا يقبل بأي حال الهجوم الشخصي عليه، فالرجل كتب بقلب مشفق محب ناصح كما هي عادته واجتهد بما رأى فيه المصلحة بكل جرأة وصراحة يفتقدها الكثيرون.
ما أصدقك وأنت تكتب عن هموم الناس وما أصدق عاطفتك، وما أروعك وأنت تكتب عن الأردن وعن القدس والأقصى. ولكن مقال اليوم كان "هبوطاً غير اضطراري" وكبوة فارس له أجر المجتهد المخطئ ولا ينتقص من آلاف المقالات المتحيزة للوطن والأمة وللفقراء والبسطاء.
حفظ الله الأردن واقتصاده والمخلصين من رجالاته