اولوية أرواح الاردنيين في مواجهة التحديات الاقتصادية
فيصل تايه
19-04-2020 04:29 PM
على الرغم من الآثار العميقة التي ستخلفها تداعيات الجائحة العالمية المتمثلة بوباء كورونا وما سينجم عنها من تبعات اجتماعية ومتغيرات اقتصادية ، في ظل تباطؤ النمو الذي يخيم على العديد من الاقتصادات العالمية ، وبين عالم يزداد انغلاقاً ، اضافة للتحديات السياسية والاقتصادية ، يضهر الاقتصاد الوطني الاردني تحديا جديدا في مواجهة ذلك ، حيث تمضي الحكومة في سياسة البحث عن مصادر الدخل وتنويع القاعدة الاقتصادية ، وضبط الأوضاع المالية العامة الى ابعد الحدود سعيا لدعم القدرة على تحمل الضغوط والحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي ما أمكن ، بالتوازي مع تعزيز أركان التنمية المستدامة .
لقد حسمت الحكومة قرارها ومنذ البداية واختارت الحفاظ على أرواح الاردنيين الذين هم اغلى ما نملك في مواجهه كل التحديات الاقتصادية ، ما يتطلب من الاردنيين البقاء في منازلهم لمواجهة انتشار جائحة كورونا ، ما ادى الى توقف غالبية الأنشطة الاقتصادية ، وهذا سيقود بالفعل إلى انكماش ميزانية الدولة في سياق مواجهة التبعات الإنسانية والاقتصادية ، وبالتالي ستكون الحكومة بحاجة إلى زيادة إنفاقها لمكافحة أثر هذا الوباء ، مما سيؤدي بالمطلق إلى المعاناة من انخفاض في إيراداتها نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي ، وهذا بالتاكيد سيضاف حتماً إلى مجموعة الأزمات الاقتصادية االتي اثرت وستؤثر بالمؤكد على حياة الموطن ، اذ اننا كنا تعاني بالأساس من ضائقة اقتصادية سبقت تفشي هذا الوباء ، وبالتالي من المؤكد إنها ستتفاقم وترفع من نسب المديونية العامة مع الظروف الحالية وهذا ما اضطر الحكومة للدعوة وعلى لسان دولة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز ، إلى اتخاذ مجموعة من برامج الحماية الاجتماعية بموجب أمر دفاع رقم (٩) وقرارات لمجلس الوزراء ، والتي تهدف إلى مشاركة الجميع في مساعدة الدولة ومساندة المواطنين والأسر الذين تضررت مصادر رزقهم وتاثرت دخولهم بسبب أزمة فيروس كورونا وتداعياتها على معظم القطاعات ، وهي عبارة عن برامج ترتكز لقيم التضامن والتكافل.
ان الظروف القادمة تستوجب شدّ الاحزمة وترشيد الاستهلاك الى ابعد الحدود ، فالنكبة الاقتصادية والمالية اصابت الاقتصاد العالمي ككل ، ما تستدعي ضرورة الالتفات الى الوضع الاقتصادي الداخلي والتخطيط للاستفادة من موارد الاردن البشرية في المستقبل القريب ، ما يشجع على اغتنام الفرصة والاعتماد على الإنتاج الوطني وتشجيع الصناعات الوطنية ، وفي اعتقادي ان على الحكومة استغلال الركود الاقتصادي العالمي الاتي ، والإسراع في تأسيس قاعدة من مختلف الفعاليات والقطاعات الاقتصادية والمهنية والنقابية ، ووضع سياسة اقتصادية وطنية شاملة ، بمشاركة المؤسسات الاقتصادية الرئيسية والعمل على إيجاد منظومة وطنية تشاركية تساهم مع الحكومة في وضع استراتيجية وطنية شاملة تضع لنا خريطة طريق نحو تحقيق اقتصاد المستقبل .
اننا نتطلع وخاصة في نظرتنا إلى الملف اقتصادي بعد هذه الجائحة الى مراجعة شاملة ، للوقوف عند اهم التحديات التي قد تعترض عمل المؤسسات الاقتصادية ومنها التنافسية والتنمية وريادة الأعمال والابتكار وسهولة ممارسة الأعمال وتمكين التجارة والسياحة والاستثمار والبنى التحتية والتحولات الرقمية ، مع ضرورة استمرار الجهود لتطوير القطاعات ذات الأولوية ، مثل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والصناعة والنقل والطاقة المتجددة والسياحة والتعليم ، من خلال المؤسسات الرديفة التي تساند الدولة في نهوضها الاقتصادي ومن خلال استشراف المستقبل ، ليتركز الاهتمام خلال المرحلة القادمة على بناء مقومات التنمية القائمة على الابتكار والتكنولوجيا والبحث والتطوير وتطبيقات الذكاء الاصطناعي ومفاهيم الثورة الصناعية ، تماشياً مع السياسات التنموية التي تتبناها الدولة ، كما ويجب دعم كل الحركات الإنمائية من أجل الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، وبالتالي تجنّب المزيد من حالات التشظي الداخلي في بعض القطاعات والمرافق الهامة .
إننا نتطلع إلى ان نكون اقوى من كل التحديات ونشكل نموذجاً اقتصادياً متفرداً يستطيع اظهار كفاءة عالية في التعامل مع المتغيرات الاقتصادية ، بفضل مبادئ رئيسية قائمة على الانفتاح والتنوع والاستدامة والإنتاجية العالية وإطلاق الطاقات الكامنة لرأس المال البشري "المواطن" وتحقيق التقدم القائم على أحدث الممارسات التنموية، وبناء اقتصاد تنافسي متنوع قائم على المعرفة والابتكار بقيادة كفاءات وطنية فاعلة ، وهذا يتطلب من الدولة تحقيق مزيد من الإنجازات والخطوات الفعالة لتعزيز مواطن القوة الاقتصادية للدولة وبناء اقتصاد المستقبل بكل همة ومسؤولية ، في ضوء رؤية وتوجيهات القيادة الرشيدة لجلالة الملك ، على الرغم من الضغوط الاقتصادية التي تشهدها المنطقة والعالم ، فما نحتاجه بالفعل خلال المرحلة القادمة هو ان يواصل الاقتصاد الوطني أداءه الإيجابي المتوازن وهو أكثر استقراراً وقدرة على النمو بقيادة عدد من القطاعات الانتاجية في مقدمتها السياحة والتجارة بشقيها الداخلي والخارجي والخدمات اللوجيستية والصناعة والخدمات و سواها من القطاعات ، فمؤشرات قوة الاقتصاد ليس النمو الكمي فقط رغم أهميته وإنما أيضاً قدرته على المحافظة على درجة عالية من المرونة تجاه التحديات .
أننا نحتاج في المرحلة الاتيه كي تنقذ أنفسنا واقتصادنا الى تنويع القاعدة الاقتصادية للدولة والتي تمثل محوراً ثابتاً ضمن الجهود الوطنية التي ستقودها الحكومة لدفع قُدماً بعجلة التنمية الاقتصادية ، بالشراكة مع مختلف الجهات وبالتوازي مع زيادة حجم الاستثمارات العامة وتشجيعها، وارتفاع حجم التجارة الخارجية وتنشيطها، اضافة الى انخفاض وتيرة ضبط الأوضاع المالية العامة ، وتحقيق مبادئ الاستدامة والتنافسية وزيادة الإنتاجية، ولعمل ومنذ الان على إعداد استراتيجية وطنية متكاملة للصناعة لوضع محددات وممكنات التنمية الصناعية وفق أسس ومعايير متقدمة تكرس مفاهيم وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، مثل إنترنت الأشياء والتكنولوجيا الحيوية وصناعة الروبوت والذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد والحوسبة السحابية والواقع المعزز وغيرها.
اننا بحاجة الى الحفاظ على علاقات إيجابية مرنة مع المؤسسات الدولية المانحة أو المستثمرة نفوذها وبرامجها الإصلاحية الخاصة في اقتصادياتها من أجل النهوض باقتصادنا الوطني ، بالإضافة إلى الدفع باتّجاه إزالة كل العوائق البنيوية والمضي قدماً في محاربة الفساد ، وتفعيل عمل مؤسسات القطاع الخاص الإنتاجية ، ولا بدّ أن يترافق دعم مؤسسات الدولة مع اشتراط حصول إصلاحات اجتماعية وتشريعات قانونية تساعد في تسريع عملية التنمية ، إضافة إلى زيادة جاذبية الدولة للاستثمار الخارجي المباشر التي يجب ان تمثل مستهدفاً وطنياً استراتيجياً ، نظراً إلى أهميته في تعزيز التنوع ورفد الاقتصاد بالسيولة المالية وتنشيط حركة التجارة وتحسين المناخ الاقتصادي ، فضلاً عن دفع التقدم القائم على الابتكار عبر التركيز على الاستثمارات النوعية المرتبطة بالمعرفة والتكنولوجيا والبحث والتطوير.
ان الدولة الاردنية بحاجة الى كل الشركاء من القطاعين الحكومي والخاص، من أجل تواصل جهودها لتطوير منظومة اقتصادية تحفز الاستثمار المباشر وتشجعه على التوجه نحو القطاعات الحيوية التي تسهم في خلق فرص العمل ورفع الإنتاجية وتعزيز الاستدامة ونقل التكنولوجيا وتوطين المعرفة وتبادل الخبرات والمهارات ، مستفيدة من الحوافز العديدة والمزايا الجاذبة التي تتمتع بها، مثل البنى التحتية والإلكترونية والذكية المتطورة، والأطر التشريعية والتنظيمية الصديقة للأعمال، والسياسات الضريبية المحفزة والإجراءات الجمركية والإدارية الميسرة، والخدمات الحكومية ذات الكفاءة العالية، والموقع الجغرافي الاستراتيجي وحالة الاستقرار وغيرها.
ان مختلف القطاعات الإنتاجية بحاجة ماسة الى توجهات حكومية جادة خاصة القطاع الصناعي الاردني الذي يحتاج بالفعل لدعم الصناعات والمنتجات الوطنية وضمان نفاذها بسهولة إلى الأسواق الخارجية ورفع ميزاتها التنافسية ، اضافة لحماية الصناعة الوطنية من الممارسات التجارية الضارة التي تتعارض مع مبادئ المنافسة العادلة، وذلك عبر مواجهة تحقيقات مكافحة الإغراق والتدابير الوقائية ضد الدعم وتزايد الواردات المرفوعة على الصادرات الإردنية في عدد من دول العالم، وكذلك التصدي لأي حالات إغراق أو دعم أو زيادة في الواردات تستهدف أسواق البلد بما يضر بالمنتج الوطني والصناعة المحلية.
اما القطاع التجاري الذي يشهد حالة من الكساد المتنامي ، فيحتاج الى تنفيذ التشريعات التي تنظيم مختلف الأعمال التجارية وعمل الشركات بمختلف أشكالها القانونية والتشريعات الرقابية على النشاط الاقتصادي وتطوير سياسات الحوكمة المؤسسية وحماية المستهلك وضمان تدفق السلع لأسواق بحرية كاملة والحد من التضخم ومواجهة الغش والتدليس التجارية وتفعيل المنافسة بين المنتجين والمستوردين بما يعزز قدرات القطاع التجاري ويخفض كلفة الاقتصاد.
يجب ان تحرص الحكومة على تأسيس شراكة تكاملية مثمرة مع القطاع الخاص في مواجهة مستقبل الاقتصاد الوطني وتعظيم دوره في مسيرة التنمية، سيما عبر مبادرات وطنية تقودها القطاعات المجتمعية والشركات وتتواصل خطواتها الرائدة في دعم وتطوير قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال، باعتباره محوراً أساسياً لتعزيز التنويع والاستدامة وخلق فرص العمل وتكريس التحول نحو اقتصاد المعرفة .
واخيرا وان اطلت .. ووفق ما تم ذكره فأننا بحاجة مساسة للتحول التكنولوجي نحو الاقتصاد الرقمي الذي يمكن ان يسهم في تخطى الكثير من التحديات التي نوجهها ، حيث ان الاردن يلعب دوراً إقليمياً من خلال تطوير المنظومات وسن التشريعات والعمل على تصدير الموارد البشرية المختصة ، فالتحول الرقمي هو الوسيلة الأفضل للمؤسسات لتواكب المتغيرات لضمان استمرارية المؤسسة وتنافسيتها في خضم التطور التقني الهائل، وهو ما يتطلب التحول الرقمي من قادة المؤسسة إلى العمل على وضع رؤية واستراتيجية واضحة لاقتناص فرص الاقتصاد الرقمي والتقليل من مخاطره.
وللحديث تتمة