استعادة "هيبة الدولة": نعم، وكيف؟
د. محمد أبو رمان
23-01-2010 05:16 AM
استعادة "هيبة الدولة" هو العنوان الأوسع الذي يؤطر سياسات الدولة، مع الحكومة الجديدة، وفي سياق جملة التغييرات الواسعة في المواقع والتوجهات.
ذلك يأتي بعد مرحلة شهدت تنامي التوترات الاجتماعية والتفلت على القانون، ونمو "البؤر المستعصية" التي تنتشر فيها العصابات الصغيرة، وصولاً إلى حالة ضعف غير مسبوقة عند الحكومات، والاستقواء عليها من مؤسسات أخرى ووضعها في موقع الابتزاز.
الرد على تلك المرحلة أتى من خلال جملة من السياسات والتوجهات، المعلنة، وغير المعلنة، أبرزها عمليات التمشيط الأمني وإلقاء القبض على المطلوبين وتطبيق القانون وإنهاء حالات التمرد، وإعادة هيكلة العلاقة بين الأمن العام والدرك، بضم لواء من الدرك إلى الأمن، للتعامل مع حالات معينة من العصيان والفوضى، وهو ما نجح به الأمن العام بعلامة كاملة.
هذا التوجه ضرورة وطنية، على أن يتم ذلك بالتوازي مع تجسير العلاقة بين المؤسسة الأمنية والمركز الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني المعتبرة، وصولاً إلى تطبيق المعايير الحقوقية كافة، وردم الفجوات القانونية في بناء هذه المنظومة الأمنية-القانونية الجديدة للتأكيد على أنّ هيبة الدولة تعني بجملة واحدة: المساواة أمام القانون وسيادته على الجميع، بلا استثناءات ولا التفافات.
المطلوب، هنا، دعم الجهاز الأمني، الذي يكفل لنا جميعاً الاستقرار والأمان، وحماية سمعة الأردن التي جلبت له الاستثمار ومنحته ميزة أساسية على الدول الأخرى، فهو بلد آمن، مستقر، لكنه في الوقت نفسه ليس دولة بوليسية ولا شمولية، يظلل الرعب العلاقة بين الناس ويحكم علاقة المجتمع والدولة.
من هذه "الميزة النسبية" نعبر إلى الجانب الأهم في موضوعنا السياسي، وهو إن لم يكن معايناً مباشرةً، إلاّ أنه يغطس وراء جملة الأزمات الكبرى. فهنا، على النقيض من رؤية البعض، هيبة الدولة لا تتحقق بالضغط والإكراه أو بعصا الأمن، أو حتى بالاتجاه إلى المحافظة والتشدد، فذلك يرحّل المشكلات ويُراكِمها ويُسكِّن الألم على المدى القصير، لكنه يجذِّر الأزمات.
الإستراتيجية المعبّدة لهيبة الدولة الحقيقية تكمن بصوغ معادلة سياسية متينة، على طريق الإصلاح، والشراكة الكاملة التي ركّز عليها الملك في حديثه بالبحر الميت، مع قرابة ألفي شخصية، قبل أيام.
هيبة الدولة قضية انتماء، وهي تبنى (فقط) بالثقة عبر توسيع مناخات الحوار الحقيقي، وعودة مياه السياسة إلى مجاريها في الحياة العامة، ذلك التوجه بمثابة الضمانة الأساسية لبناء "الحصانة الاجتماعية" الكبرى ضد التطاول على القانون والتطرف ولتجفيف الهويات الفرعية (التي تمثل اليوم التهديد الأكبر للأمن الوطني).
"الجفاف السياسي"، خلال السنوات الماضية، أضعف القيم المدنية في المجتمع، وردّ الناس إلى الانتماءات العاطفية الأولية، فضعفت هيبة الدولة في النفوس، بعد أن ضعفت قوتها الإعلامية، وتقوقعت مؤسساتها السياسية، وهُمشت الأدوار السياسية المختلفة، التي كانت تشكل علامة مسجّلة لنا في المنطقة.
الغد