اتخذت العديد من البلدان تدابير صارمة في محاولة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، وتضع هذه التدابير قيودًا كبيرة على حرية الحركة داخل وبين البلدان. وقد أطلقت العديد من الدول قوانين الطوارئ أو قوانين الدفاع. وبشكل عام، أثرت هذه التدابير سلبًا على بعض حقوق الإنسان وخاصة الحق في حرية التنقل، لكن معظم الناس لم يعترضوا على ذلك، لأنهم اعتبروا أن هذه التدابير الصارمة تصون أهم حق لهم وهو الحق في الحياة، خاصة وأن المنظمات الدولية المتخصصة، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية، قد أكدت على أن مثل هذه الاجراءات الحازمة هي السبيل الوحيد لمواجهة انتشار المرض، مما يضفي الشرعية على هذه التدابير ويجعلها مقبولة للجميع تقريبًا.
شهدنا في العقد الماضي ظهور قوى محافظة على حساب المجموعات الليبرالية والاجتماعية في العديد من الدول، كان خوف الناس من المنافسة من خارج الحدود على فرص العمل أحد أهم أسباب نجاح هذه الحركات، انتخب المواطنون في العديد من الدول الديمقراطية مجموعات وأشخاصًا يرفضون مفهوم حرية التنقل كوسيلة لمواجهة تهديد اللاجئين والمهاجرين الذين يدخلون بلدانهم من وجهة نظرهم، بمعنى آخر، اختار المواطنون القوى السياسية التي تدعو إلى إغلاق الحدود لتقييد حركة القوى العاملة القادمة من الخارج، وحقيقة ان هذه الحركات التي تم التصويت لها لم تكن الا القوى الشعبوية والقومية. في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، كان خوف الناس من منافسة الأجانب لهم على الوظائف والحصول على الرعاية الصحية مبررًا مهمًا للسياسيين المناصرين لفكرة الخروج من الاتحاد الأوروبي.
إن القوى السياسية المعادية للأجانب بطبيعتها والتي تدعو إلى فرض قيود على حرية الحركة، وخاصة ضد المهاجرين واللاجئين، لن تفوت الفرصة للاستفادة سياسياً من أزمة فيروس كورونا، حيث تدعي هذه القوى أن سبب انتشار المرض كان مرتبطًا بشكل أساسي بالتساهل في حرية الحركة الدولية، وأن سبب عدم قدرة القطاع الصحي على مواجهة جائحة كورونا كان سببه في الأساس ان هذا القطاع قد تم استنزافه من قبل الأجانب والمهاجرين على مدى سنوات. لسوء الحظ، قد تجد هذه الحجة العديد من المؤيدين.
ما يدعو للقلق فعلا هو ان تستغل هذه القوى القومية الراديكالية أزمة كورونا وتتخذ منها جسرا للوصول الى السلطة ومواقع صنع القرار مستفيدة من قبول الناس المؤقت للتدابير السالبة لحرية الحركة التي تم فرضها لمواجهة الازمة. وبالتالي يمكن للعالم بعد وباء كورونا أن يجد نفسه تحت حكم القوى التي تؤمن بالعزلة والانغلاق، وترفض حرية الحركة، وترفض الجانب الإنساني للعولمة، وتسعى إلى فصل شعوبها عن بقية العالم. هذا النوع من السياسة عدواني بطبيعته، ويمكن أن يؤدي إلى توتر عالمي كبير، هذا ما علمنا إياه التاريخ.