توازن الأداء الاقتصادي للحكومة في ظل قانون الدفاع
أ. د أحمد العجلوني
18-04-2020 01:18 PM
جاء العمل بقانون الدفاع لمواجهة أزمة الكورونا ليساعد الحكومة على اتخاذ القرارات بحرّية ومرونة لاستغلال كافة الموارد المتاحة في الدولة واتخاذ قرارات استثنائية، كثير منها قاس وصارم، أملاً في الحد من المخاطر الصحية والمخاطر الاقتصادية التي نتجت وستنتج عن الأزمة.
وقد كان الأردنيون بمختلف فئاتهم وممثليهم خلف الحكومة، وأعطوها ثقة كاملة ويداً مطلقة للتعامل مع الأزمة. وكان أن تميّز الأداء الحكومي بشكل ملفت في الجانب الأمني والصحي أعاد ثقة الناس بالقطاع العام ومنح الحكومة مزيداً من الفرص لاستغلال مواد قانون الدفاع والتوسع فيه لما يرجى فيه المصلحة العامة.
لقد أحسنت الحكومة باستغلال الموارد البشرية والطاقات الكامنة في القطاع الصحي ابتداءً بالأخذ برأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي أولاً بأول في الاستجابة للجائحة، وكان اعتمادها على الخبرات الأردنية الرفيعة شامة في وجه أداءها، إضافة إلى تميّز الجانب الأمني الذي وازن بين صرامة وحزم تنفيذ واجباته وكسب قلوب الناس ومحبتهم في نفس الوقت.
على الرغم من النقاط الإيجابية السابقة؛ نجد أن الحكومة أخفقت في جوانب استراتيجية منها عدم استغلال موارد وطنية أخرى من خبراء وعلماء ومتخصصين مستقلين في المجالات الإدارية والاقتصادية والعلوم الاجتماعية الأخرى، تشهد لهم منارات البحث والعلم في الأردن والوطن العربي بأكمله. كما أنها لم تستجب لدعوات نقابات ومؤسسات مجتمع مدني ما زالت تنادي بدور في حمل هذا العبء الثقيل مع الحكومة. فضلاً عن تجاهلها لكثير من آراء الخبراء والمتخصصين حول جوانب مهمة في إدارة الأزمة.
أما الجانب الأكثر ضعفاً في أداء الحكومة والذي أخشى أن يفسد ما تم النجاح به على المستويين الصحي والأمني فهو الأداء الاقتصادي الواهن. فعلى الرغم من القوة الاستثنائية التي منحها إياها قانون الدفاع إلا أن الحكومة ما زالت مترددة وضعيفة. وما زالت تلجأ لتحميل الطرف الأضعف عبء الأزمة من عمّال وموظفين محاباة لمؤسسات القطاع الخاص. لا بل إنها زادت من تخبطها بتحميل أفراد الجيش والأمن والمعلمين جزءاً من العبء الاقتصادي لهذه الأزمة. وكان الأولى إلحاق موظفي الهيئات المستقلة بنظام رواتب الموظفين الحكوميين بشكل مؤقت حتى نهاية السنة على الأقل. وإنني على يقين كامل بأن العسكري ورجل الأمن، وأن المعلم الذي تنازل عن شطر ما يملك منذ بداية الأزمة؛ إنني على يقين بأن هؤلاء وغيرهم مستعدون بأكثر من ذلك دون منّة ولا شكوى. ولكن تبقى أسئلة كبيرة جداً جداً لا تبارح الذهن:
- ماذا عن القطط السمان من رجال الأعمال وموظفو الدولة السابقون الذين تعرف الحكومة كم لديهم وأين يحتفظون بما جمعوه من ثروات هذا البلد من حلّه وحرامه؟
- أين هي عن الأرباح الصافية لمؤسسات القطاع الخاص عن السنة الماضية، والتي كانت لقطاع البنوك وحده حوالي 1.5 مليار (1،500،000،000) دينار أردني.
- ماذا عن الأرباح الاستثنائية المباشرة التي حققتها شركات الأغذية والصناعات الغذائية والاتصالات وغيرها.
- أين هي يد الحكومة عن الوفر بعشرات الملايين نتيجة انخفاض مطالبات التأمين، والأرباح التي حققتها شركات التأمين في العام الماضي؟ حتى أن هذه الشركات لم تقم بتخفيض أقساط التأمين مقابل مدة الحظر لغاية الآن.
لقد أعطى قانون الدفاع الحكومة -وبكل وضوح- صلاحية تامة بوضع اليد على الأموال المنقولة وغير المنقولة وتأجيل الوفاء بالدين والالتزامات المستحقة. ولكن الحكومة –وللأسف الشديد- ما زالت تجامل القطاع الخاص وتستكثر علينا حتى بعض التسهيلات للمواطنين التي تفرضها عليه أحياناً؛ كما تم في فرض تخفيض نسب الفوائد في البنوك. وما زالت حكومتنا الرشيدة تستغل كل مناسبة لتفرط في تقديم الشكر والثناء والفضل على البلد! مع أن الواقع أثبت أنانية مفرطة ومنّة على دراهم معدودة "تبرعوا" بها بعد عشرات المحاولات من "التخجيل وبوس اللحى"!!
أرجو ألا يفهم من كلامي بأنني ضد القطاع الخاص ومؤسساته، فأنا ليست لي مصلحة لا بمجاملته ولا بكسب عداوته، وأتمنى له الازدهار والنجاح لأنه جزء من وطني الذي أحب. كل ما أرجوه وأتمناه بأن تكون الحكومة متوازنة في قراراتها، وأن تكون للشعب جميعاً، ولا تكون للأقوى والأعلى صوتاً، وكل ما أريده ويريده كل منصف غيور على الوطن أن تستخدم الحكومة الصلاحيات المتاحة لها ضمن حدود قانون الدفاع، واقترح عليها أن تقتطع فقط ما نسبته 10% من الأرباح للشركات عن السنة الماضية كبادرة تبيّن جدّيتها وحزمها لإعادة بعض التوازن.
إن الحكومة كما قست على بعض المواطنين الذين خالفوا أوامر الدفاع وحجزت آلاف السيارات وكبدّت المخالفين تكاليف باهضة (وكلنا معها في ذلك) عليها أن تبدي نفس الخشونة – بل وأكثر- في ممارسة صلاحياتها في تحصيل الأموال بموجب قانون الدفاع ليس كتبرعات من فضلة أموال، بل واجباً وطنياً يجبر عليه من يحجم عنه، حماية لاقتصاد البلد وأمنه الاجتماعي والسياسي.
حفظ الله الأردن وأهله واقتصاده من كل شر