ان المتبصر والمتابع لما يحدث في العالم منذ عقد من الزمان (على أقل تقدير) يعي بأن ما يحدث الان ما هو بداية لسلسلة من الأزمات ستتعاقب على البشرية جمعاء ولن تكون محصورة بشعب أو فئة أو ديانة أو طائفة, وحتى لو اختلفت البدايات لكن المضمون سيكون حتما عاما وطاما وشاملا.
في ظل انكفاء الصين على نهضتها الاقتصادية وبناها التحتية وتطوير تكنولوجيا الأعمال وسيطرتها شبه الكاملة على اقتصاديات العالم ونأيها بنفسها عن الدخول في حروب عسكرية مباشرة, وفي ظل توجه امريكا للتسلح وتعظيم ترسانتها العسكرية والملكية الفردية دون الاقتصاد الشمولي ووصول تطور البنى التحتية الى الحد الأدنى ودخولها في حروب عديدة مباشرة وغير مباشرة واستمرار طباعتها للدولار لمواجهة المتطلبات الداخلية, فان كل ذلك أدى الى تفوق نمو الاقتصاد الصيني بصورة مضطردة في مواجهة الأمريكي.
كنت قد تساءلت في مقال سابق عن مآل الحال عندما يثبت تفوق التنين على الكاوبوي, فهل ستلجأ أمريكا الى آخر الدواء !!! و تحسبا لما هو قادم و لاستغلال الفرصة السانحة لنا للنهوض فانني أقول في عجالة و بدون الدخول في غياهب الاقتصاد و التحاليل و الكلام المزعج و الممل و غير المفهوم أحيانا, بل انني سأدخل مباشرة في تحليل مبسط جدا جدا لحال الأردن اقتصاديا و طرح أفكار يتم البناء عليها لمواجهة القادم "و القادم أعظم".
فاذا اقتنعنا بأن القادم أعظم, و أردنا التحوط منه و الخروج من عنق الزجاجة و حل مشكلتنا بأيدينا دون الاعتماد على الغير سواء بمساعدات أو منح أو قروض أو ضمانات ...الخ, و اذا اقتنعنا بأن الوضع سيكون "لكل امرىء يومئذ شأن يغنيه" فانه يتوجب علينا أولا معرفة ما لدينا و ثانيا وضع الحلول الجذرية و الفورية و الحاسمة و السير بها بكل حزم و لا تهاون.
و اذا علمنا ان الأردن دولة متوسطة بين الدول العربية و تحظى باحترام الجميع سواء قيادتها السياسية أو شعبها المتعلم و المثقف و الذي يتمتع بخبرات ممتازة في كافة المجالات (الطبية و الصناعية و الزراعية و التجارية و الوساطة و المصرفية ... الخ).
و طالما ان ما يعرف عن العامل الأردني أمانته و تفانيه في العطاء و انتمائه لعمله, و ليس أدل على ذلك من ان العامل الأردني يعتبر هو الأكثر طلبا في الدول العربية بالرغم من أنه يكلف صاحب العمل أضعاف الجنسيات الأخرى.
و في ظل أن الأردن دولة ليس لديها مقدرات مكتشفة تذكر من المواد الخام و الغاز و النفط و اليورانيوم و النحاس و الصخر الزيتي و الاسمنت و البوتاس و الفوسفات و لا ثروة سمكية حيث أنه ليس لها اطلالة كبيرة على البحار و المحيطات, فانه اذا ما أردنا أن ننهض فانه علينا اللعب بما لدينا
(و على رأي المثل : اللي تغلب به, العب به).
الحلول المقترحة:
1- التوقف عن سداد الديون مهما كانت: ماذا سيحدث؟ عمليا لا شيء, و لنا في الأرجنتين و أيسلندا و مرخرا لبنان أكبر الأمثلة, فالأرجنتين التي تخلفت عن سداد ديونها في أواخر عام 2001 على قروض بلغت 132 مليار دولار. وكان هذا المبلغ يمثل سُبع جميع الأموال التي اقترضها العالم الثالث في ذلك الوقت. وبعد مدة من عدم اليقين، اختارت الدولة تخفيض قيمة عملتها وتمكنت في نهاية المطاف من الانتعاش مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 90٪ على مدى التسع سنوات التي تلت, و أما أيسلندا, فقد كانت استثناءً ملحوظًا في عام 2008 عندما سمحت لأكبر بنوكها بالانهيار دون إنقاذه بمساعدة أجنبية, و فقد أكثر من 50 ألف مواطن مدخرات حياتهم وتزعزع الاقتصاد الدولي، لكن البلاد تعافت بسرعة واستعاد ناتجها المحلي الإجمالي معدل نمو بنسبة 3٪ بحلول عام 2012. وأشار العديد من الاقتصاديين إلى البلاد بوصفها نموذجاً للمستقبل, و في هذا السياق لا أقول أننا لن ندفع دويننا المترتبة علينا, و لكننا لن نلتزم بسدادها حتى ينتعش اقتصادنا و يتعافى و من ثم ندخل في مفاوضات للجدولة.
2- تشكيل لجنة فنية من ماليين محترفين يتسمون بالثقة و البصيرة, بهدف دراسة كافة قطاعات الأعمال (الزراعية و السياحية و التجارية و المصرفية و الصناعية و الخدماتية ... الخ) و تقييم الكلفة "الكلفة" الحقيقية لنتائج أزمة الكورونا و اعداد حلول مقترحة لتعويض هذه القطاعات, و أقول أن:
- يكون التعويض عن تكاليف فعلية حقيقية و غير مفترضة و ليست عن كسب فائت
- يكون التعويض عن نسبة مدروسة من الكلفة السابقة
• يكون التعويض بصور متعدده (نقدا / اعفاءات جمركية / اعفاءات ضريبية / اعفاءات مدخلات انتاج / قروض ميسرة ... الخ)
3- تشكيل لجنة فنية من ماليين محترفين يتسمون بالثقة و البصيرة, بهدف اعادة دراسة موازنة الدولة بكافة قطاعاتها, و اعداد حلول لضغط النفقات القابلة اما للاستغناء عنها كليا او جزئيا أو على الأقل للتأجيل.
4- انشاء صندوق للتنمية تحول اليه جميع فوائض الموازنة و يستخدم جزء منه لدعم القطاعات المتضررة و الجزء الأهم للتنمية الاقتصادية.
5- انشاء شركة قابضة للتنمية الاقتصادية, و ذلك كما يلي:
- يكون صندوق التنمية أحد مؤسسيه و مساهميه
- دعوة (الأردنيين) البنوك و رجال الأعمال و المواطنين و الشركات القائمة في الداخل و الخارج للدخول في هذه الشركة.
- تدار الشركة من قبل رجال أعمال (ليس حكوميا) و ماليين متخصصين و موثوقين.
- يتم انشاء شركات متخصصة تحت مظلة الشركة القابضة:
1/5- شركة متخصصة في دراسات الجدوى الاقتصادية
2/5- القطاع الزراعي: انشاء مجموعة شركات زراعيه (و على سبي المثال لا الحصر)
• شركة متخصصة في مشاريع زراعة المحاصيل الاستراتيجية (قمح ...)
• شركة متخصصة في مشاريع زراعة المحاصيل الموسمية
• شركة متخصصة في مشاريع الزراعة طويلة الأجل
• شركة متخصصة في الزراعة المتطورة (مائيه و غيرها)
• شركة متخصصة في حلول المياه
• شركة متخصصة في الزراعات الحرجية
• شركة متخصصة في زراعة المحاصيل الطبية
• شركة متخصصة في الصناعات الغذائية
• شركة متخصصة في صناعة المنتجات الغذائية المجمدة
• شركة متخصصة صناعة الأسمده
• شركة متخصصة في الاستنبات
• و غيره كثير ...
*** يمكن للشركات الزراعية القائمة المساهمة فيها و يمكن للشركة المساهمة في شركات زراعية قائمة و يوضع لكل شركة نظام داخلي و ادارة و نظم رقابية داخلية
3/5- و بنفس الطريقة يتم انشاء شركات في كافة القطاعات الصناعية و التجارية و الخدمية و السياحية و الطاقة ...الخ
6- الاستغناء عن العمالة الوافدة و رفع أجور العمالة المحلية حتى تحل محل الوافدة.
7- تعفى هذه الشركات المنشأة من ضرائب الدخل و المبيعات لأول سنة, ثم تدفع نسبة 5% في السنة الثانية ثم 10% في السنة الثالثة ثم 15% لما بعد السنة الثالثة.
8- توزع أرباح هذه الشركات على المساهمين بنسبة معينة على ان يحتجز مبلغ من الأرباح لاضافته الى رأس المال و يعاد تدوير رأس المال و الأرباح المدورة في تكبير المشاريع.
في هذه العجالة نرى أننا نحقق نتائج اكتفاء ذاتي في كافة المنتجات غضون 3 سنوات تقريبا و شغلنا الأيدي العاملة المحلية بطاقتها الكاملة برواتب مجزية و حققنا عوائد للمواطنين المساهمين و بدأنا عمليات التصدير.
فربما تكون هذه فرصتنا لنتحول من دولة استهلاكية الى دولة انتاجية مثل دول نمور آسيا التي برزت برغم كل الظروف و الصعوبات و قلة الموارد, و رب ضارة نافعة.
الرحمة لشهدائنا الأبرار في كافة المعارك, و هذا جهد المقل, و الله من وراء القصد.