الجيش العربي والأجهزة الأمنية بين الواجب والضغوطات النفسية
اللواء المتقاعد د.تيسير شواش
16-04-2020 10:33 AM
- المستشار النفسي السابق للعمليات الخاصة اللواء المتقاعد الدكتور تيسير إلياس شواش
يسجل للقيادة الهاشمية الرشيدة الحكيمة الخطوة الرائعة بمشاركة المؤسسة العسكرية (الجيش والأجهزة الأمنية) ، في خندق الدفاع الأول عن الوطن ضد أزمة وباء (فيروس كورونا/ كوفيد 19) حيث نجد في الصفوف الأمامية في هذه المعركة الأطباء والكوادر الطبية في خندق واحد مع الجيش والأجهزة الأمنية في منظومة رائعة متناغمة فريدة منظمة ، كلاً في موقعه يؤدي واجبه بكفائة وإقتدار منقطعي النظير .
ولن نضيف جديداً إذا قلنا أن من أعد و نظم وخطط هذه الخدمات إنما فعل ذلك بتوجيه مباشر من قيادتنا الهاشمية الحكيمة ، التي تعرف متطلبات الموقف وكيفيىة التعامل معه بكل حرص وحرفية وبعد نظر ، تُحسن التعامل بمرونة مع كافة الظروف وتدرك إحتياجات ومتطلبات اللحظة الحاسمة .
ومن خلال المهام المتنوعة التي انيطت بالمؤسسة العسكرية الأمنية التي طالما كانت ولا زالت العامود الفقري للدولة ، مركز المنعة والقوة والهيبة ، الأمن والأمان ، الإنضباط والتنظيم لأردننا الحبيب الغالي, وهذا ما لمسناه واقعياً في معركة (وباء كورونا) و فور تكليف الجيش والأجهزة الأمنية بواجب النزول الى الشوارع لإدارة أزمة وباء كورونا ، وما نتج عنه من إرتياح واسع كبير ، والثقة والتقدير لدى المواطن الأردني الذي إستقبل مؤسسته العسكرية الأمنية في الشوارع بالفرح والورود ، والتعبير العفوي الصادق و شحن الهمم والمعنويات النفسية والأجواء الإيجابية وهي أهم عناصر النجاح والسيطرة في المواجهة والوقاية من الوباء و من ثم مرحلة العلاج بأمر الله .
المؤسسة العسكرية الأمنية التي نزلت إلى الشوارع للحفاظ على الوطن وصحة أبنائه لتكون الأقرب لهم بمد يد المساعدة والعون للمحتاج خلال تطبيق الحجر الصحي ومنع التجول في أيام محددة وقاية وتحسبا لتفشي الوباء في أرجاء المملكة و مكافحة إنتشاره , هذا التدخل الأيجابي الذي نتج عنه أثراً نفسياً إيجابياً كبيراً بالأمان والطمأنينة . و أروع ما فيه هو ما إنعكس عنه من إنجازات ونتائج عظيمة، و واقع يومي ملموس، بدقة وحرفية ، نظام والتزام ، ويكفينا فخراً شهادة العالم بما اتخذته القيادة الهاشمية والحكومة والمؤسسة العسكرية الأمنية بروح الفريق الواحد من إجراءات أصبحت قدوة للآخرين في دول العالم .
ولا يخفى على أحد ما يمتاز به أبطال الجيش المصطفوي والأجهزة الأمنية من إخلاص وإنضباط وتفاني في أداء واجباتهم، متحلين بمعنويات عالية يسودها روح الفريق ، مع إدراكهم الكامل لأهمية وخطورة الواجب الذي يقومون به في محاربة وباء يشكل تهديداً و تحدياً للبشرية جمعاء , وقد أثبتت مرتبات و كوادر المؤسسة العسكرية الأمنية تحليها بمهارات التواصل السليم من خلال التعامل الإنساني الراقي مع المواطنين في هذه الأزمة , عملهم الدؤوب الذي يصلون به الليل بالنهار للحفاظ على الوطن وأبنائه، يواجهون الأخطار والصعوبات والتحديات خلال أدائهم هذا الواجب المقدس ، وهم أكثر الناس عرضة لخطر الإصابة في خطوط التماس المباشر . إضافة لطبيعة العمل في هذه الظروف الطارئة وما يرافقها إرهاق جسدي ناتج عن العمل لساعات طويلة حرصاً منهم على تنفيذ الواجب ، و لا يغمض لهم جفن وهم يصلون الليل بالنهار و يعملون في أجواء مناخية قاسية متقلبة بين البرودة و الحرارة المرتفعة ، بعيدين عن بيوتهم وأسرهم وأحبائهم ، متناسين حياتهم الشخصية فداءاً للوطن ، يتعاملون مع جميع هذه الضغوطات بمعنويات عالية منقطعة النظير .
يدرك القادة تماماً بأن هذه الظروف الدقيقة الخطرة والتماس المباشر مع الأزمة وما يرافقها من أخطار الإصابة بالعدوى للمرتبات بإحتكاكهم المباشر مع المواطنين في الميدان، إضافة للإجهاد والإرهاق الجسدي و النفسي قد تشكل عامل ضغط نفسي لدى هذه المرتبات العاملة بالميدان وعلى كافة المستويات ، وتلك الضغوطات عادة ينتج عنها لدى البعض آثاراً سلبية نفسية وجسدية ، إجتماعية ومهنية وقد سبق لي وأن ذكرت أعراضها في مقالة بعنوان (الدعم النفسي الأجتماعي في أزمة كورونا).
فمن باب حبي لوطني و قيادتي الهاشمية الفذة و شرف إنتمائي للمؤسسة العسكرية والقسم الذي أديته للوطن فإنني أضع ما تعلمته في المؤسسة العسكرية من علم وخبرات للوطن ، كما و أناشد - خدمة لوطني و ناصحاً المسؤولين والقادة الميدانيين - على أهمية مراعاة الحفاظ على الروح المعنوية والنفسية لدى المرتبات والكوادر خلال الأزمة ، للحفاظ على الصورة البهية البراقة للأردن التي سطرها بجهود جبارة ، والحفاظ على الوطن وأبناءه ثروة الأردن الحقيقية ومقدراته .
وللحفاظ على قصة البطولة والإنجاز الأردنية - خاصة لمؤسسته العسكرية الأمنية - أضع بعض النصائح والمقترحات بما يتعلق بجزئية (الإجراء التعبوي النفسي الوقائي) بين يديكم ، لعلها ترجع بالخير للجميع:
الإجراء التعبوي النفسي الوقائي :
- ضرورة تواصل القيادات بمرؤسيهم ومن كافة الرتب والإستماع للمتطلبات وحل الممكن ضمن المعقول منها، والإستماع إلى الملاحظات والعمل على إشاعة اجواء يسودها الطمأنينة والثقة و بث روح عمل الفريق الواحد للتغلب على مصادر الضغط المعنوي والنفسي لدى المرتبات ، فالقادة هم القدوة لمرؤسيهم وهذا التواصل سيؤثر إيجابا برفع الروح المعنوية لديهم .
- ضرورة إعداد و تقديم محاضرات وإيجازات توعوية نظرية وعملية ضمن التسلسل القيادي حول الضغوطات المعنوية والنفسية، أسبابها ومسبباتها ، أعراضها وطرق الحماية و الوقاية منها وكيفية التغلب عليها ، فإن لم تسمح الظروف الميدانية بأجراء هذه المحاضرات فإنه من الممكن أن توزع هذه المعلومات بموقع تنفيذ الواجب بشكل نشرات أو مطويات .
- مراعاة فترات الراحة المعقولة للمرتبات خلال العمل، و حتى إعطاء إجازات إذى إقتضى الأمر لمن تظهر عليهم أعراض الإجهاد النفسي بحيث لا تؤثر إطلاقاً على تنفيذ الواجب ومما ينعكس بأثر ايجابي على شحذ المعنويات والعامل النفسي والهمم لجميع المرتبات .
أهمية التذكير بقدرة الله عز وجل والتشجيع على العبادة مسلمين و مسيحين، مثل قراءة القرآن لبث روح الطمأنينة لديهم مصداقاً لقوله تعالى " ألا بذكر الله تطمئن القلوب" و الكتاب المقدس (الإنجيل) .
- السماح (ضمن المعقول والممكن) للمرتبات بالتواصل مع عائلاتهم وأصدقائهم بهدف رفع الروح المعنوية لديهم .
هذه الصورة المشرقة البراقة لما قدمه ويقدمه الأردن الجيش والأجهزة الأمنية ستبقى في ذاكرة الوطن وستبقى في قلوب أبناء هذا الوطن كافة ، هذه الصورة رسمت بسمة الأمل والتفاؤل على وجوه الأردنيين ، وستبقى مصدر العزم بتجاوز الصعاب في أحلك الظروف.
هذا التفاؤل والعزم اكده جلالة القائد الأعلى الملك عبدالله الثاني بن الحسين بخطاباته لأبناء شعبه والتي عززت ونشرت روح التفاؤل والطمأنينة في نفوس جميع الأردنيين وأذكر هنا عبارة جلالته الرائعة الملهمة " سنتجاوز بعون الله كل التحديات التي نعيشها لأننا أصحاب العزم والأرادة وتحمل المسؤولية لتعود الحياة الى سابق عهدها ، ما هي الا شدة وبتزول " .
حفظ الله الاردن وطنا وملكا وشعبا من كل مكروه ،،،