لماذا هذا البرود وعدم المروءة من قبل فئة من المقتدرين والأغنياء التي جمعت ثرواتها على أرض هذا الوطن الذي قدّم لهم كل التسهيلات والبيئة الآمنة لمشاريعهم متوارين عن الأنظار هاربين يراقبون المشهد من بعيد؟ نعم، لقد تجمدّت عروق الحياء والخجل عند هؤلاء، ووصلت درجة الإحساس عندهم إلى دون درجة التجمد بكثير دون أن يرفّ لهم جفن أو يندى لهم جبين، كل ذلك سببه الخوف على أرصدتهم وأموالهم فخذلوا الوطن الذي يخوض معركة كورونا وتداعياتها المتعددة الجوانب ليس على الصعيد الصحي فحسب، بل هناك تحديات اقتصادية تترتب على الدولة تجاه شريحة كبيرة من أبناء مجتمعنا من الفقراء وعمال المياومة وغيرهم.
ولنعترف هنا وبكل انصاف، فإن الدولة الأردنية قدّمت خلال هذه الأزمة أقصى ما يمكن تقديمه، وما زالت تعمل كوادرها اللوجستية والفنية والمتخصصة في المؤسسات الحكومية والصحية والجيش الباسل والأجهزة الأمنية المخلصة، وبإشراف مباشر من جلالة سيدنا الذي يتابع أدق التفاصيل لتحقيق الأمن الصحي والأمن المعيشي والنفسي للناس...ولكن، أن تغيب فئة من المقتدرين والاغنياء عن المشهد وكأن الامر لا يعنيها من قريب أو بعيد إما لشح وطمع وإما لضيق أفق ولنظرتهم القاصرة التي لا يوجد في قاموسها مفهوم التكافل لا من منظور ديني أو اجتماعي أو أنساني، لأن نظرتهم تقوم على الأنانية وحب الذات والجشع.
إن الأمن المعيشي والنفسي للناس كما هو حق على الدولة، وهو أيضا حق على كل مقتدر، وأذكر هنا أن المقتدرين في الكثير من دول العالم تبرعوا لأوطانهم بسخاء وايثار، ومثلا لقد تجاوز تبرع أبناء المغرب الشقيق لوطنهم 3 مليار دولار، علما أن ظروف المغرب تتشابه مع ظروفنا اقتصاديا واجتماعيا، في الوقت ان التبرعات التي جمعها في الأردن من صندوق همة وطن (75 مليون دينار) كان أغلبها من المساهمين في البنوك والشركات، وليست تبرعات شخصية من أموال الأغنياء، وكمتابع يوجد في أرصدة البنوك ما يقارب 35 مليار دينار، وبحساب بسيط فان زكاة هذه الارصدة المستحقة اذا تم تفعيل قانون الزكاة على مبدأ (خذ من اموالهم) بأخذ نسبة 2.5%، فإن المبلغ المستحق يصل الى (875) مليون دينار.
لقد شاهدت كما شاهد غيري الكثيرون على قناة المملكة حديث سمو الأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي متعّه الله بالصحة الذي قدم رؤية اقتصادية من خلال تفعيل الزكاة على مستوى دول العالم الاسلامي أو بعض الدول، وهذا ينطبق على بلدنا الأردن التي ستسهم في سد احتياجات الفقراء والمعوزين، وتحقق مجتمع التكافل والرحمة الذي يحفظ كرامة الانسان وحق للفقراء والمساكين والمحتاجين، وتسهم في تخفيف بؤر الفقر واقامة مشاريع إنتاجية تساند جهود الدولة الاردنية وخصوصا في هذا الوقت الذي أصبح فيه الركود الاقتصادي عالميا، الأمر الذي يتطلب وضع بدائل اقتصادية لنا في الأردن لمواجهة ما بعد ازمة كورونا.
وعلى ضوء ما سبق، تبرز هنا تساؤلات كثيرة أليس من حق الدولة صاحبة الولاية في تسيير أمور الناس ومنهم الفقراء والمحتاجين وغيرهم ممن يستحق أن تفعّل قانون الزكاة على الهاربين من إنسانيتهم ومسؤوليتهم المجتمعية؟، وأعتقد أن هناك مسوّغات شرعية ومبررات قانونية وإنسانية ومجتمعية يفرضها واقع الحال على مبدأ "خذ من أموالهم "، ومن باب القياس إن لم تكن زكاة أو صدقة وليكن تبرعا ضمن الاطار القانوني الذي تعيشه البلاد، وأقصد هنا إصدار قانون دفاع ينظم ذلك، لأنه يوجد المئات بل الآلاف من المقتدرين الذين دفنوا رؤوسهم بالرمال كالنعام وكأن الأمر لا يعنيهم.
نعم، لقد حان الوقت وبدون تأخير، لتسمية الأمور بمسمياتها وكبح جماح هذا الخذلان وقلة الحياء من قبل الذين انتفخت أوداجهم من خير هذا الوطن وقابلوا ذلك بالعقوق والنكران، وان لا يتركوا هائمين على وجوههم دون أدنى مسؤولية أو مروءة أو صحوة ضمير.
سيدي صاحب الشأن ...هل سيصار الى إصدار أمر دفاع أو أية صيغة تراها الدولة مناسبة تنظم هذه المسألة بأسرع وقت ليتبرع الهاربون مرغمين منعا لتخاذلهم وطمعهم بعد أن منعتهم مرؤتهم عن التبرع عن طيب خاطر حيث أرى كما يرى غيري الكثيرون أن المبررات والدوافع من إصدار أمر دفاع كلها تصب في وضع الأمور في نصابها الصحيح من أجل بث الطمأنينة والاستقرار النفسي وحفظ الأمن المعيشي للناس وترجمة مفهوم التكافل الاجتماعي واقعا وحقيقة. وصدق الله العظيم " وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ".
وحمى الله أردننا الغالي، ودام جلالة الملك سيدا وقائدا، وحفظ الله سمو ولي العهد الأمين.
• كاتب واستاذ جامعي/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
• عميد كلية الصيدلة سابقا في جامعتي اليرموك والعلوم والتكنولوجيا الاردنية
• رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا