أسعار البترول في زمن الكورونا .. رب ضارة نافعة
أ. د أحمد العجلوني
15-04-2020 08:31 PM
من أهم معايير النجاح لأي إدارة، أن تكون قادرة على استغلال الفرص التي تتيحها التغيرات في العوامل السياسية أو الاقتصادية، أو غيرها من عناصر البيئة الخارجية، كما أن القدرة على التقليل من المخاطر والتهديدات التي تنجم عن التغير في الظروف المحيطة من أهم عوامل النجاح في تجاوز الأزمات المختلفة، بل والاستفادة مما قد ينتج من فرص في ظل الأزمات.
لقد كان من الآثار الاقتصادية المباشرة لأزمة الكورونا انخفاض الطلب العالمي على النفط، وهذا أتاح للدول المستوردة للنفط فرصة للشراء بأقل الأسعار منذ سنوات عديدة. وفي بلد كالأردن يستورد 96% من احتياجاته من الطاقة، وتؤثر أسعار الطاقة في كافة مفاصله بشكل جذري ومباشر وشامل؛ يعد انخفاض أسعار البترول عالمياً فرصة سانحة قد لا تتكرر في المستقبل المنظور.
فيما يتعلق بتوقع اتجاه أسعار البترول عالمياً، فإنه وعلى الرغم من الاتفاق التاريخي يوم الأحد 12-4-2020 بخفض الإنتاج بما يقارب 10 ملايين برميل، فما زالت أسعار البترول تعاني، حيث وصلت اليوم الأربعاء (15-4-2020) إلى أقل من 28 د/ب. كما أقدّر بأن أسعار البترول ستبقى لفترة لا تقل عن ستة أشهر في مستوى 32 دولار أو أقل، لأن الدول التي تشتري الأن بكثافة لملء مخزوناتها مثل الولايات المتحدة والهند والصين ستكون قد اكتفت تقريباً، وهذا يرتبط به عامل آخر وهو عودة أسعار استئجار الناقلات إلى مستويات ال 30,000 دولار يومياً بعد أن وصلت إلى 200,000 دولار وأكثر خلال هذا الشهر.
وفضلاً عن الأسعار الحالية الممتازة بالنسبة للمشترين، والتي استغلتها الولايات المتحدة والهند والصين لتتخم به مخزوناتها بالبترول الرخيص كما أسلفت، فإننا مدعوون في الأردن للاستفادة من هذه الفرصة الآن إن توافرت فرص التخزين. وحتى لو لم تتوافر فرص التخزين، فإن الشراء بالعقود المستقبلية يمثّل فرصة ذهبية - من المؤلم جداً أن تضيّع- لتثبيت أسعار الطاقة في البلد وإراحة الناس من الترقب وعدم الاستقرار المصاحب لتغير تسعيرة المشتقات البترولية شهرياً، بل قد يتعدى الأمر ذلك إلى تبني استراتيجية جديدة في التزود بالبترول بدل الأسلوب التقليدي الحالي.
تتمثل فكرة الشراء المستقبلي كآلية معروفة ومطبّقة بشكل واسع؛ بأن يتم التعاقد الآن على شراء سلعة ما، والاتفاق على السعر والكمية وشروط التسليم وعملة الدفع، على أن يتم تنفيذ العقد في فترة مستقبلية وليس فوراً.
فوفقاً للأسعار التي تنشرها مجموعة CME https://www.cmegroup.com/trading/energy/crude-oil/light-sweet-crude.html تراوحت الأسعار المستقبلية للبترول يوم الأربعاء (15-4-2020) بحدها الأعلى 38.26 دولار تسليم نهاية عام 2021.. كما بلغت 39.26 دولاراً للبرميل نهاية عام 2022.
لقد كان مصدر القوة التفاوضية للمكسيك التي عطّلت اتفاق أوبك+ يوم الخميس الماضي (9-4-2020)، أنها اعتمدت على العقود المستقبلية في بيع نفطها، على الرغم من أنها لا تصدّر أكثر من 10% من إنتاج السعودية.
إن اتخاذ القرار باعتماد الشراء من خلال العقود المستقبلية والاستفادة من الشراء بالخيار -إضافة إلى ما يتيسر من الشراء الفوري بالأسعار المتدنية- يعدّ خطوة غاية في الأهمية، من خلال مساهمته في تحقيق فوائد ومزايا اقتصادية مباشرة تضمن استقرار الاقتصاد على المديين القصير والمتوسط، ومن أهم هذه المزايا:
- توفير هامش مرونة للحكومة لكي تخفض الضريبة المرتبطة بالبترول دون الإضرار بالإيرادات الواردة للخزينة.
- سينعكس استقرار أسعار البترول على استقرار الإيرادات التي تجنيها الخزينة، وهذا يساعد على إدارة الموازنة العامة بكفاءة عن طريق التخطيط المالي لفترة أطول مع مستوى أقل من التقلبات.
- استقرار تكاليف الطاقة التي تشكل عنصراُ مهماَ من تكاليف الإنتاج، الأمر الذي سيساعد الشركات على اتخاذ قراراتها الاستثمارية بدرجة أكبر من التأكد.
- سيسهم استقرار أسعار المشتقات البترولية بشكل مباشر في استقرار مستوى الأسعار عموما، وسوف يشكل دافعاً قوياً لتسويق الأردن كبلد جاذب للاستثمارات الخارجية.
- ضمان استقرار القوة الشرائية للمواطنين ضمن مستويات تكلفة منخفضة من الطاقة التي تمثل عبئاً ثقيلاً على موازنة الأسرة الأردنية بشكل مباشر، أو من خلال تخفيض تكاليف الإنتاج التي ستعزز من المنافسة السعرية بين القطاعات الإنتاجية، الأمر الذي سينعكس بالضرورة على تحسين الوضع المعيشي للناس.
- سيحقق تبني هذا المقترح جملة من المنافع للحكومة أيضاً، فهو سيمثل فرصة ذهبية لتدعيم مصداقية الحكومة وجديتها في حل مشاكل الاقتصاد، وإعادة بناء الثقة بينها وبين المواطن، وسوف تكون بصمة نجاح لا تنسى في الأداء الاقتصادي للحكومة.
إذا لم تتوافر الأموال لدى الحكومة في الوقت الحالي، فيمكن إنشاء صندوق استثماري عام؛ يسمح فيه بمشاركة من يرغب من المؤسسات والأفراد، ويتم بيع البترول فيه للجهات المستوردة بهامش عائد مناسب وثابت، وهذه دعوة -أيضاً- لصندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي والصناديق الأخرى مثل صندوق تنمية واستثمار أموال الأيتام وغيرها من المؤسسات المالية العامة، لتطوير استراتيجيتها الاستثمارية بدراسة هذا النوع من الاستثمارات كشريك أساسي للحكومة، ومساهم في حل المشاكل الاقتصادية للبلد، كل ذلك فضلاً عن دور البنوك في تمويل مثل هذه الاستراتيجية الاستثمارية.
إن الانشغال بجبهة مكافحة الكورونا -على أهميته البالغة- يجب ألا ينسينا معركتنا الاقتصادية وتحدياتها التي أثقلت كاهل البلد والمواطن، ودليل على أننا نفكر بشكل عقلاني لما بعد الأزمة التي نأمل بأن تنجلي قريباً، وهذا سيراكم نجاحاً إضافياً إلى ما نشاهده إلى الآن من نجاح في مواجهة أزمة الكورونا، خاصة وأن تبني هذا المقترح وتطبيقه لا يحتاج جهوداً كبيرة، في نفس الوقت الذي يرجى منه فوائد عظيمة بإذن الله.
حفظ الله الأردن وأدام ازدهاره