مع دخولنا على المليونية الثانية عالميًا من حيث عدد الإصابات بسبب جائحة "كوفيد 19"، ومع استمرار الأضرار والخسائر بطريقة فادحة وحصد الأرواح الذي تجاوز حتى تاريخ اليوم 127 الف ، لا يسعني إلا طرح موضوع واقع الشفافية للنقاش، خصوصًا في منطقتنا العربية التي تواجه هجومًا بين الحين والآخر عبر الكثير من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بشكل عام، وفي وطني الحبيب الأردن بشكل خاص. لقد كانوا يتغنون بالديمقراطية والحرية الغربية وخاصة الأمريكية، لتكشف الأزمة المستور وتضع النقاط على الحروف.
مما جعلني أتطرق إلى ما نشرته صحيفة واشنطن بوست، عن عدد المعلومات الزائفة والمضللة التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال فترة 1170 يومًا في عهده حتى تاريخ 19 يناير، أي في نهاية عامه الثالث كرئيس، والتي وصلت إلى 18000 كذبة بمعدل 15 كذبة يوميًا.
وقد استشهدوا ببعض أكاذيبه، أكبرها كانت بأنه قلل من أهمية الأزمة التي تجتاح العالم وقال: "لدينا 15 حالة فقط" ثم تابع بقوله: "سيكون هؤلاء المرضى أفضل حالًا قريبًا". في ذلك الوقت كان الفيروس ينتشر بسرعة عبر الولايات الأميركية، ولم يتم اكتشافه إلى متأخرًا لأن إدارة هذا الرجل فشلت في إجراء اختبار فعال بسرعة. والنتيجة حتى اليوم تجاوز عدد الإصابات 600 ألف حالة، وعدد الوفيات وصل إلى 23 ألف شخص.
الكارثة أنه ما زال مهتمًا بالاقتصاد، ويدلي بالمزيد من الكذب بما يوحي لنا أنه أهم من حياة الناس، الأمر الذي دفع الصحيفة أن تقول: "تغير كل شيء في العالم مع جائحة "كوفيد 19" لكن ظل شيء واحد ثابت، وهو كذب وتحريف الرئيس للحقيقة".
محليًا ولله الحمد نحن في دولة الشفافية والمصداقية، وكان الأردن من الدول السباقة في الإجراءات الاحترازية بسرعة ومن دون تردد، والكل يستشهد بتجربتنا. في المقابل تعامل الشعب معها بانضباط. ولعل الأمر الذي عزز هذا الاحتواء المبكر للأزمة، هو كيفية تعامل الإعلام الحكومي بكل حنكة ومهارة وبتوجيهات صارمة وجادة من قائد الأزمة الأول وربان السفينة، صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني.
حيث كان يطل علينا بتوجيهات من القيادة العليا يوميًا للوزراء وكافة المسؤولين بكل التزام، ومسؤولية تقديم المعلومة الصحيحة والإعلان عن الأرقام والحالات، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في بناء جسور الثقة بين الحكومة والشعب، وبث الطمأنينة والراحة. وهذه هي النتيجة ولله الحمد بأقل الخسائر.
ولا أكاد أجزم بأن هذه الشفافية دفعت نحو تكاتف الجهود في القطاعين الخاص والحكومي، للحد من الوباء وفتح باب التبرعات والتكافل والتعاطف، ليهب الجميع في تلبية نداء الوطن. هنا سأتناول فقط دور الإعلام الحكومي في الأردن، وكيف أدار الأزمة بمهنية عالية الدقة، مما صنفنا على خارطة انتشار الوباء بترتيب متباعد عن الدول المنكوبة.
كما أخذ الإعلام الحكومي بزمام المبادرة، إذ بادر بتوفير المعلومات والبيانات، والتعامل بشفافية من حيث ذكر مناطق الوباء، وكيفية التعامل معها. ولم تكن هناك استثناءات في تطبيق العزل والقوانين المتعلقة بذلك، فكان القانون فوق الجميع بإشادة من سيدنا حفظه الله. وكانت المساواة بين الجميع أمام أولويات صاحب القيادة، وهي صحتنا والشعب أولًا.
لم يتردد الأردنيون في تقديم المساعدة والتكاتف والتعاطف معًا، والوقوف يدًا واحدة. وكانت هناك غرف عمليات مشتركة لإبقاء المواطن على اطلاع بتفاصيل وتحركات الحكومة من إعلان خطط دفاع مشتركة أمام الجميع، والاستفادة من كافة الموارد بحكمة وتوزيعها على القرى والمحافظات بالتساوي.
من غير المنصف في هذا الوقت، وفي ظل كل الجهود المبذولة، أن يبحث الإعلام عن ثغرات أو هفوات خارجة عن إرادة الجميع لتسليط الضوء عليها، فتصل إلى قنوات الإعلام العالمية وتصبح مسألة رأي عام. بل على العكس، كانت الصور مشرفة جدًا حول كيفية تعامل الجيش والكوادر المنتشرة في الشوارع مع الشعب بإنسانية وتعاطف كبير، لبث روح الطمأنينة وعدم إرهاب المواطنين.
ولا يسعنا إلا أن نشكر خط الدفاع الأول من أطباء وممرضين وجيش ومسؤولين وشعب، على الانضباط والالتزام. كذلك الشكر للصف الأول من القيادات العليا والمسؤولين الذين كانوا قدوة للجميع بتطبيق العزل.
وكل الشكر للقيادة العليا التي أسست أعمدة المصداقية والشفافية في وطننا، والتزمت بتوحيد مصادر المعلومات والتصدي للإشاعات بحكمة وذكاء، دون فتح المجال أمام الكثير من الأقاويل. لقد بدا واضحًا أن أولويات القيادة دون منازع، تتمثل في الصحة والسلامة وتوفير حاجات المواطن الأساسية بسلاسة وهدوء وعدم ارتباك.
حمى الله الوطن وأطال الله عمر سيدنا وجعله ذخرًا للأردنيين وملاذًا آمنًا للوطن.