لماذا تسربت مكالمة الكباريتي مع الرزاز؟
ماهر ابو طير
14-04-2020 11:55 PM
تتسرب تفاصيل مكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء الأسبق عبدالكريم الكباريتي، ورئيس الوزراء الحالي د.عمر الرزاز، يقول فيها الأول للثاني، إن عددا كبيرا من المقتدرين لم يتبرعوا لصندوق همّة وطن، الذي يجمع المال لمواجهة هذا الظرف.
لا أعتقد أبدا أن تسريب المكالمة كان بمحض الصدفة، ولربما كان هناك اتفاق بين الكباريتي الذي يشغل موقع رئيس هيئة صندوق همة وطن، والرزاز الذي ينتظر أن تتحسن واردات الصندوق التي ما تزال قليلة جدا، على تسريب خلاصة المكالمة، وللتسريب هنا غايات مختلفة، أبرزها وضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وتحريك موجة التبرعات، فوق التأنيب الضمني لكل من خذلوا الأردن في هذا الظرف، وأغلبهم يعرفهم الكباريتي كونه في القطاع الخاص، مثلما تعرفهم الحكومة من مصادر معلوماتها، فيما قد يكون تسريب المكالمة دفعة تحت الحساب بحق هؤلاء.
ردود الفعل حتى الآن على المستوى الشعبي، تعالج هذا المشهد بطريقة غاضبة، لا نريد لها بعد قليل أن تتحول إلى حالة غضب اجتماعي، فقد قرأنا عمّن يسأل عن عشرات العائلات والأسماء المعروفة، وتم ذكرها بالاسم، وقرأنا لمن طالب إصدار قوائم سوداء تضم أسماء من خذلوا بلدهم وتعاملوا معه باعتباره مجرد شقة مفروشة للإيجار، مثلما لمحنا بين السطور كراهية مبطنة، وتبادلا للاتهامات، وهذه الموجة الشعبية قد لا تلام حين يصل بها الأمر الى المطالبة بمصادرة الأرصدة، ومحاسبة الفاسدين، أو أخذ نسبة كخمسة بالمائة من أرصدة المصارف، ثم التساؤلات حول مليارات الأردنيين في الخارج، التي لم نر من أصحابها دينارا ولا دولارا.
حين تتصل بمقتدرين وتسألهم عن السبب يقول بعضهم إنه غارق في الديون برغم ثروته، وآخرون يقولون لك إن مشاريعهم انهارت بسبب ما يجري في العالم، وفريق ثالث يقول إنه يوزع مالا على الفقراء والمحتاجين وهو حر في طريقة إنفاقه، والتبريرات هنا كثيرة، لكنها كلها لا تقنع أحدا، عدا حالات محدودة قد يكون اسمها قد اشتهر بالثراء فيما هي تواجه تعثرا ماليا على مستواها الكبير، لكن الأغلبية غائبة عن المشهد، بكل ما تعنيه الكلمة، من كل رؤساء الحكومات السابقين الذين لم يتبرعوا بشيء، عدا سمير الرفاعي الذي تبرع برواتبه في الأعيان، وخمسين ألفا من الدنانير، وصولا إلى طبقة رجال الأعمال القديمة في الأردن التي كانت ثرية في بدايات نشأة المملكة وزاد مالهم لاحقا، وصولا الى المستثمرين المعروفين وباعة الأرض والطبقة التي نشأت خلال العقود الأخيرة، ثم أؤلئك الذين لهم مليارات خارج الأردن في مشاريع مختلفة، كانت تدر عليهم ربحا جيدا.
إذا تأملنا تجربة شعوب عربية وأجنبية، لوجدنا أن الأغنياء وقفوا الى جانب بلادهم، بل إننا شهدنا في الأردن وقوفا جزئيا قليلا من الأغنياء، وحتى من متوسطي الدخل، وكما أشرت الأغلبية غائبة وكل واحد يفرد لك تبريراته، لكنها غير مقنعة نهاية المطاف، فلا التأثير الديني ولا الوطني ولا الإحساس بالخطر يترك أثرا على هؤلاء، وكأن هذا البلد لا يعنيهم أبدا، برغم أن تضرره سيؤدي الى مد الأذى اليهم واحدا واحدا في ظل موجة الغضب الشعبي التي وصلت حد الدعوة لإصدار قوائم سوداء، وكأننا في مناخ تصفية ينبئ بما هو أخطر خلال الفترة المقبلة.
لم يقل الكباريتي هذا الكلام، لولا أنه اتصل شخصيا بكثيرين فاعتذروا أو تمنعوا، وهو يعرف أنهم يتهربون من واجبهم، في ظل قانون دفاع، يمنح الدولة صلاحيات أوسع إذا قررت ذلك، وهي لا تريد أن تصل الأمور إلى هذا الحد، ولا تقبل على تاريخها مصادرة مال الناس، أو قهرهم بأي شكل، لكننا بكل صراحة أمام توقيت حساس يكشف أن بعضنا لا يعنيه الأردن أبدا، وعلاقته به شكلية، فقد يكون لديه جنسيات أخرى، والمطار في الأردن أكثر ما يعنيه، ولا يشكل البلد وأهله سوى محطة لجمع الأرباح، مثل أي محطة أخرى، فلماذا يدعم صموده؟
الإدانة هنا، لا تقبل في الوقت ذاته التحريض على الميسورين، فلا يصح أن يصبح هؤلاء أعداءنا، فيتمزق النسيج الداخلي طبقيا في ظل الأزمة، وهذا أمر يجب على المقتدرين معرفته أيضا، وأن يتحركوا لإطفاء نار الغل تحت الرماد.
(الغد)