تميّز نموذج الأردن في مواجهة أزمة جائحة كورونا
د. مضر المعاني
14-04-2020 10:48 PM
منذ بدء مرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في الصين في ديسمبر 2019، ثم انتشاره إلى مختلف أنحاء العالم، تعدَّدت استجابات الدول لهذه الجائحة، وبينما تمت الإشادة بنماذج لدول في مواجهة الوباء، مثل الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان والسويد، إلا أنه لم يتم تسليط الضوء على نماذج عربية مميزة في إدارة أزمة مواجهة كورونا، ومن أبرزها نموذج المملكة الأردنية الهاشمية.
الاردن اختطت نموذجاً خاصاً بها في إدارة أزمة كورونا، فهو لم يسع إلى محاكاة النموذج الصيني، ولا غيره من النماذج، إنما اتبعت مسارَها الخاص في إدارة الأزمة، إدراكاً منها لاختلاف نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي عن الدول الأخرى، كما أنها تعلم أن كل دولة تحظى بميزات نسبية توظفها في تحديد قدرات إدارة الأزمة وكيفياتها.
ارتكز النموذج الأردني على مجموعة من المحددات التي حكمت استراتيجية مواجهة وباء كورونا، أبرزها مواكبة تعليمات وتوجيهات منظمة الصحة العالمية، والْتزام تطبيقها بشكل كامل وسريع، والتزام معايير الشفافية في التعامل مع الأزمة، والإفصاح التام عن البيانات الخاصة بوضع الوباء داخل الدولة، أولاً بأول من خلال المؤتمر الصحفي اليومي لوزير الاعلام و وزير الصحة.
وأيضا جهود وزارة الصحة والجهات الأخرى في إشراك المجتمع في جهود احتواء المرض، سواء من خلال توعيته بدوره في هذه الأزمة ومسؤوليته في اتباع إجراءات الوقاية، خصوصاً "التباعد الاجتماعي"؛ أو من خلال تعزيز مبادرات المجتمع، أفراداً وشركات، كتأسيس "صندوق همة وطن" الذي يتلقى مساهمات الأفراد والمؤسسات المادية والعينية والدعم اللوجستي.
و بالإضافة الى ذلك محاولة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي أثبتت نجاعتها، وبالذات تجربة كوريا الجنوبية في توسيع الفحص المخبري للكشف عن الفيروس من خلال فرق الاستقصاء في جميع محافظات المملكة و التقييم المستمر والدينامي لواقع الأزمة، واتخاذ الإجراءات المناسبة مع الحالة، دون هلع أو فقدان التوازن من خلال خلية الازمة و مركز الازمات و التحرك الاستباقي في إدارة الأزمة من خلال تجهيز الخطط والقدرات للتعامل مع الخطوات المقبلة، والاستعداد لكافة السيناريوهات المحتملة, و عدم الاقتصار على مواجهة التداعيات الصحية لوباء كورونا، و وضع الخطط واتخاذ الإجراءات والقرارات لمواجهة التداعيات الأخرى الناتجة عن الوباء، كالتداعيات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية.
والعمل على ديناميكية الإدارة الحكومية وفاعليتها؛ ما مكّنها من إدارة الأزمة بكفاءة واتخاذ القرارات اللازمة بشكل عاجل ودون إبطاء مع ضمان التنفيذ السريع. وفي هذا الصدد أيضاً كان أبلغ الأثر للمتابعة اليومية لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم و ولي العهد سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني المعظم للإجراءات المتخذة، والظهور المتكرر لهما على وسائل الإعلام المختلفة، وتأكيداتهم على تحمل الدولة مسؤوليتها في حماية حياة الإنسان و حقوقه الموجود على أرض الاردن، مواطناً ومقيماً.
وفي الجانب الطبي لابد من ملاحظة جودة النظام الصحي في الدولة الذي استجاب للأزمة دون اضطراب ودون مواجهة النقص سواء في التجهيزات والمعدات الطبية أو في الكوادر البشرية واستعداد الدولة المسبق لحالات الطوارئ والأزمات، والتي كان منها تعزيز المخزون الاستراتيجي للدولة في مجالي الغذاء والدواء، وهو ما ظهر من خلال عدم حصول أي نقص في السلع المختلفة في الأسواق منذ بداية الأزمة.
وفي مجال البنى التحتية نلاحظ تطوُّر البنية التحتية في الدولة، وشبكة الاتصالات والإنترنت؛ ما أتاح للمدارس والجامعات التحول نحو التعليم من بُعد، وكذلك كثير من المؤسسات في القطاعين العام والخاص التي تحولت إلى العمل من بُعد، وتوظيف الحلول الذكية والمبتكرة في مواجهة الوباء وإدارة الأزمة، مثل تطوير خدمة الصيدلية المتنقلة التي تقوم بتوصيل الأدوية إلى المنازل، لتجنيب أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن الذهاب إلى المشافي، وفي الوقت نفسه تخفيف الضغط على المرافق الطبية؛ وغيرها من الابتكارات.
ومن ناحية الاستراتيجيات قامت استراتيجية الأردن في إدارة أزمة كورونا على عدة من العناصر ابرزها, اتخاذ التدابير الصارمة والإجراءات الوقائية لاحتواء المرض وعدم تفشيه؛ من خلال تطوير إجراءات رصد الحالات عند نقاط الدخول إلى أراضي الدولة، وتعزيز اكتشاف الحالات استباقياً من خلال توسيع الفحوص المخبرية، وتوفير أماكن الحجر الصحي المتخصصة والملائمة وبروتوكولات العلاج المناسب للحالات، وكذلك التتبع النشط للمخالطين؛ فضلاً عن اتخاذ الإجراءات المعيارية للحد من انتقال المرض كتعطيل المؤسسات التعليمية، وتعليق حركة الطيران من الدولة وإليها، ووقف كل الفعاليات العامة، ومنع التجمعات، وإغلاق الأماكن العامة مثل مراكز التسوق والمتنزهات. و أيضا محاولة عدم تعطيل حياة الناس الطبيعية؛ فبالرغم من تطبيق إجراءات "التباعد الاجتماعي" وإطلاق حملة "خليك بالبيت"، التي تحث الناس على البقاء في منازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة، إلا أن الدولة أخذت في الحسبان الصحة النفسية للأفراد، لذا اتبعت الأسلوب التدريجي في إجراءات الحد من حركة الناس طبقت الحظر الجزئي من الساعة السادسة مساء إلى الساعة العاشرة صباحاً, و عملت الحكومة بتوجيهات جلالة الملك المعظم التقليل من الآثار الاقتصادية للأزمة على قطاع الأعمالو أيضا المحفزات التي أعلنها البنك المركزي الأردني من برامج القروض وتخفيض نسبة الفائدة. و لا ننسى استمرار الدور الإنساني للأردن و مواقف الهاشمين اتجاه الامة العربية و الإسلامية ؛ فلم تتوقف الاردن خلال الأزمة عن المبدأ الإنساني المتأصل في سياستها الخارجية، فقامت بعدة مبادرات إنسانية لتعزيز الجهود العالمية لمجابهة وباء كورونا، فقدمت إمدادات طبية لسبعة دول عربية و إسلامية لعلاج الملاريا بتوجيهات من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم.
لقد أسهمت الاستراتيجية التي اتّبعتها الاردن في الحد من تفشي مرض فيروس كورونا بشكل كبير؛ فبالرغم من أن تعداد السكان يصل إلى نحو 9 ملايين نسمة، كما أن المجتمع في الاردن يتسم بتنوع هائل، والدولة منفتحة ومعولمة، إلا أن عدد الإصابات لا يتجاوز 397 فرداً، والوفيات 7 فقط (حتى تاريخ 14 أبريل)، وهو ما يعني أن معدل الوفيات في الدولة أقل من 1 بالمئة، وهو المعدل الذي يَقل كثيراً عن المعدل العربي 4 بالمئة و المعدل العالمي الذي هو 6 بالمئة , و نسبة الشفاء في الأردن 55 بالمئة من الحالات المسجلة مقارنة بالمعدل العربي 21 بالمئة و 23 بالمئة على المستوى العالمي, وهذا مما يدل على العناية وكفاءة النظام الطبي الأردني .
ولكن يوجد بعض التحديات في إدارة أزمة كورونا في الأردن، بالرغم من نجاح الأردن في إدارة أزمة كورونا حتى الآن، فإن هناك ثلاثة تحديات يتعين على الدولة التعاطي معها سواء راهناً أو مستقبلاً. التحدي الأول صحي، وهو ما يسمى "تسطيح منحنى الإصابات"؛ أي الحد من انتشار المرض بحيث يكون منحنى الإصابات مستوياً، ثم تحويل المنحنى إلى تنازلي، حتى قمع الفيروس باكتشاف علاج ناجع أو لقاح له وهو ما تم تحقيق جزء منه كبير بفعل جهود الحكومة والأجهزة المساندة.
وهناك تحدٍّ لا يقل أهمية عن التحدي الصحي وهو معالجة التداعيات المختلفة لأزمة كورونا، خصوصاً الاقتصادية منها؛ فقدرة المجتمعات على الصمود في وجه هذه الأزمة لا تعتمد على الشروط الصحية فقط، بل لابد من إيلاء الأوضاع الاقتصادية أهمية كبرى، وإن كانت الاردن انتبهت إلى هذه القضية وقامت بمبادرات لتحفيز الاقتصاد ودعم أنشطة البنوك وقطاع الأعمال، وتخفيف العبء والرسوم على الشركات والأفراد، فإن هناك حاجة إلى المزيد من الخطط والبرامج لتخفيف ارتدادات الأزمة على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وعلى الموظفين والعمال في القطاع الخاص الذين ستتأثر مداخيلهم نتيجة لعمليات الإغلاق أو لتراجع نشاط السوق، بحيث تتعزز صورة الاردن كمكان مثالي وآمن للعمل والتجارة والاستثمار في المنطقة والعالم.
أما التحدي الثالث فهو تقييم إدارة الأزمة للخروج باستخلاصات مستقبلية تحفظ أمن الدولة واستقرارها، وتعزز نموذجها التنموي والاقتصادي. فإذا أخذنا في الاعتبار أن الفيروسات التي ترتبط بالإنفلونزا ذات طبيعة متغيرة، فهذا يعني أن العالم ليس محمياً من فيروس مستجد آخر قد يكون أكثر فتكاً، وعليه فإن الدولة مَعنية بالتحسب لمثل هذا السيناريو، من خلال تطوير حوكمتها في القطاعات الإدارية والصحية والتعليمية والاقتصادية.
أستاذ مشارك في نظم المعلومات – جامعة الحسين بن طلال