ما أفسد كثير من مجتمعاتنا وبدّل معاييرها إلا الغنَى وجريان المال، الذي صادف أناساً أصحاب نفوس مريضة ووازعٍ ديني ضعيف.
نعم الغنَى نعمة ... ولكن للكثير نقمة.
هو نعمة لمن ثبت على مبادئه وقيمه وأخلاقه وتربيته، ونقمة لمن بدّل جلده وصفاته، وظهر لديه ما كان خافياً عن الآخرين قبل غناه !!
فإذا كان "كولت" قال جملته المشهورة بعد صنعه لأول مسدس : " الآن تساوى الشجاع والجبان".
فإن المال في أيدي غير المؤهلين قد غيّر الموازين !
فقد ساوى بين الوضيعَ والشريف، والجبانَ والشجاع، والصفيقَ والفصيح، وأعطى لعديمي الأخلاق قيمة ووزناً!!
فجلس السفيهُ الغني في المقدمة، ونال ترحيباً وتهليلاً، وجلس صاحب المبادئ والقيم الفقير في المؤخرة، وأنصت الناس لمن لا رأي له، وصفّقوا لمن لا عقل له، وقدّموا من لا قدر له !!
فعاث بعض الأغنياء الجدد في الأرض فساداً، وجلبوا الوبال على مجتمعاتهم بسلوكيات خاطئة ظنّوا أنها حكيمة، وللأسف نجحوا وما زالوا.
إذا كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال عن الفقر :" لو كان الفقر رجلاً لقتلته "، فإنه قصد أن الغنى وسيلة لرفع قدر الناس وجعلهم يسخّرون المال لدفع بلاء أو سد حاجة وفاقة، لا أن يكون سبباً في فساد مجتمعاتهم !!
نعم ... هناك من لا يملك مالاً، لكنه يملك صفاتاً وأخلاقاً، ووقف المالُ حاجزا لعطائهم فانطبق عليهم قول الشاعر :
إن الكريم الذي لا مال في يده مثل الشجاع الذي في كفه شلل
ليتنا بقينا على فقرنا وظلّت مبادئنا ولا صار كثير منا لما نحن عليه.
ليتنا بقينا على فقرنا وظلّت معنا أخلاقنا وبقيت فينا طيبتنا وأُلفتنا ومودتنا، وبقيت مجتمعاتنا كسابق عهدها من ألفة ومحبة وتآزر وتآخي.
وحتى لا نعمّم حديثنا، يوجد كثير من المصلحين في المجتمعات يصلحون ما أفسد غيرهم بما أوتوا من قدرة، وما زال عطاءهم لا ينضب، فيستمر دعمهم لاستمرار الخير في مجتمعاتنا، أولئك الذين حبّبهم الله بالخير وحبّب الخير إليهم.