الاستمرار بالسياسة القاضية بالإغلاق شبه التام، يعني تراكم العبء على المجتمع والقطاع الخاص وارتفاع قيمة الفاتورة، وهذا سينعكس على إيرادات الخزينة ويعني الدخول في حلقة مفرغة سيكون لها تداعيات سلبية كبيرة، وليس من الواضح قدرة تحمل الفئات التي توقفت مداخيلها بشكل مفاجئ على الاستمرار بالحظر المفروض، وهو ما يعني أن هذا النمط من إدارة الأزمة بهذا الشكل غير مستدام، ويقتضي التفكير ببدائل معقولة.
الخيار الثاني يتمثل باختيار قطاعات، وفقا لبعض المعايير، وهذا مشوب بالعديد من المحاذير، فهو يعني أن الدولة وعبر لجانها ستقرر عودة نشاط بناء على طلبات تقدم بهذا الخصوص، وهو ما أعلن في تعليمات صدرت قبل أيام، وهذا الأسلوب في الإدارة يعني تدخلا إلى أبعد الحدود في التفاصيل، وهذا يعني الدخول في دوامة لا تنتهي من المراسلات بين الراغب في العودة إلى النشاط واستئناف العمل وبين الطرف الحكومي الذي سيتلقى آلاف الطلبات التي سيغرق في دراستها، فالمعايير غير واضحة والكل متلهف للعودة إلى العمل. وهذا ينطبق على لجان العمل بخصوص ترتيبات العمالة وفقا لقرار الدفاع رقم 6، حيث ستتخذ اللجان قرارات قطعية خلال أسبوع، وفي هذا تجاوز على مفهوم التشاركية الذي نحن أحوج ما نكون إليه خلال هذه الفترة الحرجة. ولنتفق أن هذا النمط من الإدارة لن يرضي إلا فئة قليلة، وسيعوزه استكمال سلاسل التزويد، فعلى سبيل المثال، فإن فتح محطة محروقات دون وجود حركة نقل لا يعني شيئا واقعيا.
البديل الثالث يتمثل بتشغيل الاقتصاد كاملا لضمان تجاوز مشكلة سلاسل التزويد، مع التعهد من قبل المشغلين بتفاصيل البروتوكول الصحي وضمان تطبيقه بصرامة، وهذا من شأنه إعادة الدورة الاقتصادية لبدء العمل بتكاملية وضمان التناسق ما بين العرض والطلب والتشغيل، وهذا الخيار يمكن البدء به بالعمل وفقا لطاقة تشغيلية أقل من المعتاد، بمعنى يمكن أن نبدأ وحسب النشاط أو المنشأة، ويجنب هذا الخيار الغوص في التفاصيل والحاجة إلى عدد كبير من اللجان، ويراعي مفهوم التباعد الاجتماعي.
لا مناص من بدء العودة التدريجية، والتذرع بأن العالم مغلق ليس صحيحا فحركة الشحن لم تتراجع، ويجب تحقيق نوع من التوازن بين متطلبات الصحة واستدامة الاقتصاد.
الحكومة لم تعلن عن حزمة مالية متكاملة حول كيفية المساعدة، أو الجدول الزمني لإعادة التشغيل، وهذا يزيد من درجة اللايقين وضبابية الرؤيا، والأزمة الحالية بينت ضعف الأطر الإدارية وضعف توظيف البيانات المتاحة، وهذا يتضح من التضارب في بعض القرارات، والأزمة كشفت ضرورة التحوط وتجميع بيانات وتبويبها للمساعدة في اتخاذ القرارات، والحديث عن الاقتصاد الرقمي والمعرفي بدون “أرقام”، لا يعني الكثير، إذ على سبيل المثال، ظهرت محدودية معرفتنا بحجم الاقتصاد غير الرسمي وكيفية الوصول إليه، وينسحب الأمر على الكثير من المتغيرات التي يحتاجها صانع القرار في هذه المرحلة.
إن إيجاد آلية دائمة للحوار مع القطاع الخاص وكبار المشغلين والعمال في هذه المرحلة ضرورة وليس خيارا، ولا يجوز ترك أي من أطراف المعادلة وخاصة القطاع الخاص بعيدا عن صناعة القرار فيما يخص سياسات إدارة الأزمة واليوم التالي لكورونا. فالمسألة ليست “تصاريح” مرور إبّان الحظر، بل إطار عام سيمكننا من المرور بأقل الكلف.
الأزمة سترتب تضحيات على كل المستويات: القطاع الخاص، الحكومة والعمال، ولن يكون بالإمكان إنقاذ الجميع، وهنا لا بد من التفكير بالأولويات، وما هي القطاعات ذات الأولوية التي تستحق تخصيص بعض الموارد إليها والتي يمكن أن تعاود نشاطها سريعا، وتلك التي ستأخذ وقتا للعودة، وفي هذه الحالة؛ ما هي معايير حزمة الإنقاذ إن وجدت؟(الغد)