منذ حوالي عشرين يوما غادرت الأردن الحبيب إلى بريطانيا، وتحديدا للعمل في قناة الحوار الفضائية ومقرها لندن، بعد ثلاث سنوات ونصف من العمل في البرنامج اليومي الخدمي المباشر على أثير حياة إف أم (صوت حياة)، وحياة لحياة طيبة اسم على مسمى حماها ربي وسدد على طريق الخير خطاها، والفكرة في هذا الأمر ليست مادية، والقريب من الوسط الإعلامي يعرف ذلك جيدا، بقدر ما هي خبرات جديدة، ومساحة أخرى للتعلم وإكمال الدراسة الأكاديمية، وبغض النظر عن الوسيلة الإعلامية، فالأصل في صاحب الرسالة أن يعبر عن مبادئه في مختلف المنابر الإعلامية المتاحة، ويوصل صوته لأكبر قدر من الناس.
وأحاول أن أبقي تواصلي مع منبر (حياة) التي أحترمها وجمهورها الوفي من خلال البرنامج اليومي آن الأوان، وسجلت بتقدير بالغ المساحة المفتوحة للتواصل مع أهلي وبلدي من خلال جريدة السبيل، وموقع عمون وموقع البوصلة، وصديقي باسل العكور في عمون فتح لي آفاقا للتواصل آمل أن أكون على قدرها في الأيام القادمة.
عشرون يوما مرت وكأنها سنة بأسرها، فالأردن وأهله وقراه وبواديه وزهرته عمان النظيفة الجميلة يعني لي الكثير، وفضله علي بعد الله عزوجل كبير جدا، يستغرب جاري البريطاني ذلك الحماس الكبير الذي أحمله للأردن، وذلك الاهتمام من قبلي بالشأن المحلي في بلدي، مع أنني قدمت برأيه إلى عاصمة العالم وقلبه النابض، وأنا حقيقة لا أخفي إعجابي بلندن وعراقتها؛ وذلك لا يعني نسياني للبلد صاحب الفضل علي، فمسألة حبي للأردن مسألة عقيدة والتزام ووفاء واحترام، فالوفاء للبلد الذي أكلت من خيره، وشربت ماءه، وتنفست هواءه حق علي واجب.
لا تعرف قيمة البندورة البلدية أو الخيار الأردني الجميل إلا عندما تفقده وتبحث عنه كأنه عملة نادرة، ومهما تحدثت عن الحمص والفلافل فلن توفيه حق حضوره الساحر على مائدة الإفطار كل صباح، حتى يأتيك يوم مثلي لا تراه إلا في المناسبات، وغير ذلك الكثير من خيرات الأردن وطبيعة موقعه الجغرافي والتاريخي وإقليمه المناخي، والقضية أكبر عندي من مجرد طعام وشراب أعود فأؤكد هي مسألة وفاء وعرفان، ولا ينكر الفضل إلا جاحد أو لئيم.
وهذا بطبيعة الحال لا يعني التخلي أو التراجع فصاحب الحلم والقضية في آن واحد يستمر بعزمه ونشاطه حتى يحقق مراده والله هو المعين.
تفهم جاري البريطاني ذلك الحب، وأخشى أن يكون (ضربني عين!) وأبدى إعجابه بالأردن ذلك البلد الصغير بمساحته، المحدود بإمكاناته، وهو في نفس الوقت صاحب حضور وتواجد قوي على الساحة الدولية، وأشار بامتنانه لذلك الدور الأردني في الترحيب بقافلة (فيفا فلسطينا) شريان الحياة، والاستقبال الشعبي الأردني لها، ولكن السؤال الذي فاجأني به: لماذا أنتم في أفغانستان؟ فأجبته بسؤال مماثل: لماذا بريطانيا في أفغانستان؟ فقال لي: أنا من مناهضي الحرب، وشاركت مئات الآلاف من أبناء بلدي في الاحتجاج على وجودنا في أفغانستان، ونحن قدمنا مئات الضحايا والجرحى هناك، ولكنه مصالح وسياسات دولية، وتحالف مع أمريكا، وانتفاع بخيرات تلك الدول (يقصد أفغانستان والعراق على ما يبدو!) نظرت إلى ساعتي واستأذنته بالخروج لارتباط آخر، وهو ينتظرني على فنجان قهوة آخر لأجيب على سؤاله.
adnanhmidan@yahoo.com
عن السبيل ..