لماذا نجحت إدارة الدولة لازمة "جائحة" كورونا؟
أ.د. خلف الطاهات
11-04-2020 09:25 PM
دولة بحجم الاردن وامكانياته وموارده المتواضعة خطفت على مدى الأيام الماضيه اهتمام اهم وأكبر المؤسسات الاعلامية في الاقليم والعالم فيما يخص إدارة أزمة فايروس كورونا.
التجربة الأردنية في إدارة الأزمة ألهمت مواطني دولا عالمية تمنوا لو أنهم حاملي جنسية الدولة الأردنية نظرا للاهتمام غير المسبوق والإجراءات المدروسة التي اتخذت حفاظا على سلامة وصحة كل مواطن .
إذن؛ ما هي اسباب نجاح الدولة الأردنية في إدارة جائحة كورونا؟؟
لعل ما يميز ادارة هذه الازمة ان الاردن انتهج سياسة اتخاذ القرار الحكومي بناء على توصيات اللجنة الوطنية للأوبئة التي تضم خبراء في علم الاوبئة من اكاديميين وخبراء وممثلين عن القطاعات الصحية في الدولة (العام والخاص) والعسكري.
وكانت أولى هذه الخطوات الناجحة بقرار الحجر في الفنادق العائدين من الخارج وخاصة في منطقة البحر الميت حيث ميزة المنطقة بعدها عن اي تجمع سكني وسهوله اعلانها منطقه عسكرية وبالتالي سهولة "اغلاقها" والسيطرة عليها في حركة الدخول والخروج.
اضف لذلك بما تمتلكه هذه الفنادق من تسهيلات ومرافق وخدمات تحقق عنصر "الراحة النفسية" وبمستوى يليق تجعل الشخص الذي خضع للحجر مطمئن انه سيقضى فترة ال14 يوما بكل اريحية خلافا لو تم اختيار مدارس او اماكن اخرى. فالحجر في الفنادق ساعد في انجاح عملية الحجر لتوفيرها الظروف المناسبة لتحمل مدة 14 يوما في غرفة فندقية مع خدمات الايواء والطعام والشراب في فنادق عمان والبحر الميت والعقبة. ولان طبيعة الحجر هي بالمعنى الحرفي "حجز او عزل الانسان عن مجتمعه" فان ادارة خلية الازمة اخذت الجانب النفسي "الحالة النفسية" لنحو خمسة الاف اردني وغير اردني عادوا من سفر طويل في عين الاعتبار لتمكينهم من تجاوز عناء السفر وبالتالي فترة الحجر.
والاردن طبق استراتيجية "استباقية" مقارنه بدول العالم في مكافحة وباء كورونا من خلال "عزل الاردن نفسه عن بقية العالم" في حركة المسافرين واسراعه في اصدار قرار اغلاق كافة المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية بوقت مبكر وتكثيف الرقابة الصحية من خلال الماسحات الحرارية عبر المنافذ الحدودية قبل اغلاقها.
ليس هذا فحسب، فالقرار الاردني كان في غاية البراغماتية وقدم مصلحة الاردن الصحية على علاقاته السياسية، حينما قرر في وقت سابق منع استقبال اي شخص غير اردني قادم من دول موبؤه وسجل فيها اصابات كورونا وتحديدا ايران وايطاليا والصين وكوريا الجنوبية واسبانيا. واما الاردنيين فكان يسمح لهم الدخول للاردن بشرط اخضاعهم لحجر صحي مدته 14 يوما.
اعلاميا، استطاع فريق ادارة الازمة ان يتعامل مع مرض كورونا بطريقة توعوية "تطمينية"سلسة منظمة وليس "ترويعية" باعتبار المرض عالمي وليس محصورا في الاردن فقط ما جعل نسب استجابة المواطنين لاجراءات الحكومة خلال عملية الحظر مقبوله ومرضية قياسا لمرض لم يختبر الاردنيين ولا العالم خطورته.
الاهم ان المرجعية الاعلامية كانت "طبية" ولم يكن هناك صراع كاميرات ومايكروفونات بين المسؤولين خلال هذه الازمة، بل حصرت الدولة التصريحات عن اجراءات الازمة من خلال وزيري الصحة والاعلام بحكم الخبرة والاختصاص. ناهيك عن عشرات الالاف من رئاسل التوعية التي وصلت الى هواتف النقالة عبر شبكات الاتصالات لكل الاردنيين تتضمن معلومات اساسية عن المرض واعراضه واجراءات التصرف ووسائل الاتصال وانواع الاطعمه التي تعزز المناعة ضد المرض وغيرها. كما استخدم فريق ادارة الازمة رسائل توعوية تثقيقية بمضامين تراعي مستويات الناس واعمارهم مع مراعاة الوسائل الاعلامية التي يتواجدون عليها او يستخدمونها.
"محاصرة" المرض في بدايته وعند تجسيل اصابات كانت الخطوة الاهم في نجاح جهود مكافحة الوباء. ففريق ادارة الازمة ومن خلال وزارة الصحة عمل على زيادة فرق الاستقصاء الوبائي والذي وصل الى نحو 60 فريقا انتشر في المربعات الامنية التي عزلت في مناطق تسجيل الاصابات في بعض المناطق الاردنية وخاصة في مدينة اربد(ثاني اكبر مدينة في الاردن بعد العاصمة عمان) و التي تم عزلها بالكامل كما تم عزل بقية قراها ايضا ويديرها الجيش الاردني. فرق الاستقصاء الوبائي استطاعت الوصول بالسرعة الفائقة الى المخالطين للمصابين ومخالطي المخالطين ايضا وتم اخذ عينات مخبرية لنحو 15 الف منذ بداية الازمة وهذا رقم بالنسبة لعدد سكان الاردن يضاهي دول متقدمة بحسب خبراء في الصحة.
بالنهاية والاهم فريق ادارة الازمةوالذي يتولى الاشراف عليه شخصيا جلالة الملك والذي اتخذ من المركز الوطني للامن وادارة الازمات مقرا رئيسيا له طيلة الفترة الماضية، هذا الاشراف الشخصي من الملك اعطى جدية زائده لقوة الاجراءات والحسم في تنفيذها خاصة بعد اطلاقه تغريده قبل اسبوع وصفت بالغاضبة مفادها ان لا احد فوق القانون وذلك قطعا للطريق على اي اردني مهما كانت صفته الوظيفية ان يكسر حظر التجول او يستغل هذا الظرف الاستثنائي للمتاجرة بالازمات أو تعريض صحة الأردنيين للخطر!! وبالنهاية كنا قال جلالته في خطابه الأخير الشعب الاردني "شده وتزول!!"
* رئيس فرع الصحفيين الأردنيين في الشمال