في العام 1936 ناقش مؤسس فكر الاقتصاد الكلي الكنزي البريطاني جون كينز في كتابه الشهير "النظرية العامة للعمل والفائدة والمال" مفهوم الأرواح الحيوانية "Animal Spirits"، والذي يشير إلى عودة الإنسان إلى طبائعه الغرائزية عند اتخاذ قرار اقتصادي أو استثماري، كبيع وشراء الأوراق المالية في حالات التقلبات والصدمات الاقتصادية الكبرى والهلع وعدم اليقين.
حالات الركود والتي من الممكن أن تتحول إلى كساد المصاحبة للحروب أو الأوبئة، أو باستمرار الانخفاض في الدورة الاقتصادية، تدفع وتحفز العواطف الإنسانية وتقلل ثقة المستهلكين؛ لتؤثر على قرارات الأشخاص المالية، إذ يميلون إلى الاحتفاظ بالسيولة وتقنين الإنفاق وعدم الإقبال على المشاريع، خوفًا من تحول الأمور إلى الأسوأ، وحتى المستثمرين في الأسواق المالية سيفضلون استرجاع أموالهم ولو بخسائر على المجازفة في انتظار تعافي الأسواق.
أدرك كينز أنه في أوقات الاضطرابات الاقتصادية، قد تؤثر الأفكار غير العقلانية على الناس وهم يسعون لتحقيق مصالحهم الذاتية المالية، ولا يقومون بأخذ القرارات بذات النسق كما في الظروف الطبيعية أو بناء على المعطيات العلمية، وبالرغم من دعمه للسوق الحر إلا أنه أيضًا أسّس للمدرسة التي تنادي بضرورة التدخلات الحكومية في حالات فشل الأسواق من استعادة عجلة النمو الاقتصادية.
عقب الأزمة المالية العالمية 2007-2008 أعاد العالمان الأمريكيان جورج أكرلوف وروبرت شيلر والحاصل كل منهما على جائزة نوبل في الاقتصاد الأضواء على أهمية مفهوم "الأرواح الحيوانية" والاعتماد على الغريزة عند اتخاذ القرارات الاقتصادية والاستثمارية في حالة التداعيات الكبرى، وذلك في كتابهما المنشور عام 2009 وعنوانه "أرواح الحيوانات: كيف يقود علم النفس البشري الاقتصاد، ولماذا هي مهمة للرأسمالية العالمية؟".
الكتاب أكد أن النظريات الاقتصادية الكلاسيكية ستفشل في حالات الأزمات الاقتصادية، وفي الجزء الخامس منه بيّن أهمية سرد القصص الإيجابية عن الاقتصاد لما له من أثر بالغ في تقديم الضمانات القوية للعامة، والتي ستقود السلوك البشري وتحفز الاقتصاد لتجاوز الأزمات والتعافي، كما تمّت الإشارة بأنه يجب تبسيط هذه القصص بحيث تكون مفهومة للجميع لزرع الثقة بين المستهلكين، مما سينعكس على الإنفاق، ولتدفع أيضًا أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار، وبالنتيجة فإن التسويق والترويج له إيجابيات كبيرة تفوق بكثير كل التوقعات.
تُخيّم في الفترة الحالية النظرة التشاؤمية على المؤشرات الكلية العالمية، وقد صرح صندوق النقد الدولي مؤخرًا على لسان رئيسته التنفيذية أن الأزمة الاقتصادية هي الأسوأ منذ الكساد العظيم في عام 1930 وأن التعافي الاقتصادي سيكون جزئيًا فقط في العام 2021، والذي يتزامن مع تحليلات العديد من الجهات الدولية وقادة الرأي الذين يتطرّقون فقط إلى الجوانب السلبية، فنحن اليوم بأمس الحاجة أيضًا إلى التركيز على الجوانب الإيجابية والفرص التنموية لتعزيز ثقة المستهلكين والمستثمرين.
مع التوجه إلى التدرج في معاودة النشاط الإنتاجي والاقتصادي داخل المملكة للقطاعات المتوقفة حاليًا، وبانحسار الوباء بإذن الله فمن الضروري أن يصاحب ذلك رسالة إعلامية إيجابية تسلّط الضوء على النجاحات الاقتصادية الأردنية لشحذ الهمم ولإعطاء دفعة قوية للأنشطة التنموية، ومن أبرز هذه النجاحات على سبيل المثال لا الحصر شركة البوتاس العربية والتي أكد رئيسها التنفيذي منذ أيام بأنها لم تتوقف منذ بدء الجائحة العالمية، واستمرت في العمل بالحد الأدنى من العاملين، كما وحقّقت الشركة أرقامًا قياسية في الإنتاج خلال الربع الأول من هذا العام، عدا عن مساهماتها القياسية في دعم المبادرات الاجتماعية.
مؤشرات أخرى ذات أهمية أبرزتها الحكومة مؤخرًا هي انخفاض العجز التجاري في شهر كانون الثاني من عام 2020 للمملكة بما نسبته 23.2% مقارنة بنفس الفترة من عام 2019، كما أكدت الحكومة دومًا على توافر المواد الأساسية والغذائية وأشارت إلى استئناف العمليات التصديرية قريبًا للعديد من المنتجات الفائضة عن الاحتياجات المحلية.
في ضوء توجس المستهلكين والمستثمرين بالتزامن مع الظروف الدولية والإقليمية المحيطة، والتدابير المحلية، وتأثير ذلك على المشاعر البشرية والحالة النفسية هناك حاجة ماسة لإبراز قصص النجاح الاقتصادية، وتأكيد قدرتنا على تجاوز جميع التحديات، والإشارة إلى الدروس المستقاة والفرص المتاحة، وتسليط الضوء عليها بلغة مفهومة للجميع لتدفع بمؤشرات الثقة إلى أعلى مستوياتها، وليكون لذلك دور رئيس في عودة الأنشطة الاستثمارية إلى مستوياتها الاعتيادية.