أؤكد بداية بأن العنوان لا يتضمن خطأً إملائياَ، وإنما قصدت به التحذير من "فيروس" التفكير الطبقي الإقطاعي الذي بدا يطل برأسه علانية من تصريحات وسلوكيات جزء غير قليل من المستثمرين في بعض قطاعات القطاع الخاص. فقد تابع الناس في الأيام الماضية على وسائل الإعلام وسمعوا من بعض رجال الأعمال من القطاع الخاص ما يحتاج إلى الوقوف عنده كثيراً ودراسته وتحليله بعمق.
وبما أن التعميم لا يجوز ابتداءً، فإن هناك استثناءات لرجال أعمال ومؤسسات يتقون الله ويخلصون للوطن ويعطون الناس حقوقهم بلا منّة أو ادعاء فضل. ولكن -وللأسف- فإن الأزمة الحالية أثبتت بأن هؤلاء ليسوا سوى "استثناء"!
أظهرت أزمة الكورونا بشكل واضح جليّ الوجوه الحقيقية للبعض، وأسوق مثالاً على ذلك مواقف لشخصين مستثمرين في أقدس القطاعات وهما قطاع التعليم والقطاع الطبي. حيث أظهرت مقابلة مع أحدهم لغة متحجرة ونفساً استعلائياً واضحاً خلال مناقشة إحدى ممثلات العاملين والمدافعة عن حقوقهم. لا بل أنه أبدى منّة وفضلاً لولا أن أوقفه المذيع النبيه، ما دعاه للترقيع والاستدراك بأنه "لا يقصد" الكلام بمعناه الحرفي!! كما سمعنا كلنا التفوهات والشتائم التي لا تليق بأي شخص محترم فضلاً عن أن تصدر عن شخص ينتسب لمهنة الطب السامية وبحق موظفات من أخواتنا وبناتنا الممرضات اللاتي ندرك الآن أكثر من أي وقت مضى كم يعانين من الظلم فوق المعاناة في مهنتهن الشاقة الخطرة.
إن ما أظهرته وسائل الإعلام بالبث المباشر والتسجيل الموثق ليس إلا غيظاً من فيض، فإذا كان هذا ما يتفوهون به بحق المعلمين والممرضات على الملأ، فكيف بالله هو الحال مع غيرهم؟!! وكم من حالات استكبار وتجبّر يمارسها هؤلاء على العاملين لديهم لم نسمع بها، وكظم العاملون جرحهم وانكسارهم لأجل لقمة العيش.
إن التصرف والتفوه بمنطق "المعطي والرازق" بحجة الاستثمار وتشغيل الناس لا تبتعد كثيراً عن تفكير الإقطاعيين في العصور المظلمة من مراحل تاريخ البشرية بأنهم هم من يشغّلون الناس وينفقون عليهم. إذ كانوا يتحكمون بحياتهم الاجتماعية فضلاً عن نشاطهم الاقتصادي. فالبعض يعتبرون بأنهم "يضحّون" باستثمار أموالهم في البلد!! وأنهم يدفعون الضرائب (مع وجود علامات استفهام كثيرة حول هذه النقطة!)، مع أن الموظف والعامل والمزارع وغيرهم يدفعون ويساهمون أيضاً! وإنني أجد في ادعاءهم الفضل بدفع الضرائب ومساهمتهم في النفقات العامة ما يشبه وضع الإقطاعيين الذين كانوا يجمعون الضرائب والمكوس من الناس بالسوط والعصا لمصلحة السلطة الحاكمة التي تمنحهم هذه الإقطاعيات مقابل مبالغ معينة. وللأسف فإن انسحاب الحكومة من النشاط الاقتصادي وتسليم رقبته للقطاع الخاص جعلها كمن يبحث عن إيرادات ضريبية بغض النظر عمّا يقترفه هؤلاء بحق الوطن أو بحق أبناءه الذين بات كثير منهم بحال أسوأ من حال العمال والفلاحين في إقطاعيات العصور الغابرة.
إن الإشارة إلى نمط التصرفات والتفكير لدى البعض في القطاع الخاص ما هي إلا دعوة إلى إعادة التوازن في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية في البلد بما يساعد على تخطي الأزمة الحالية والأزمات السابقة المرحّلة إلى أجل. وإنني أرجو من هذا المقال أن يقرع الجرس حتى لا يتفاقم التفكير الطبقي ويسود وينتج عنه –لا قدّر الله- فكراً وسلوكاً متطرفاً ضد طبقة الأثرياء ممن سحقتهم سياسات الخصخصة وتدليل القطاع الخاص طوال العقود الثلاثة الماضية.