أزمة كورونا والتوازن الإقتصادي الإجتماعي
م. حمزة العلياني
10-04-2020 07:44 PM
يواصل فيروس كورونا المستجد انتشاره في جميع دول العالم، والأردن لم يكن بمعزل عن هذا الوباء. وبالتزامن مع التدابير التي اتخذتها دول العالم، كانت الدولة الأردنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني وولي العهد الأمين الأمير الحسين بن عبدالله من الدول السباقة باتخاذ اجراءات صارمة للحيلولة دون انتشار هذا الوباء على نطاق أوسع حيث وضعت صحة الإنسان وسلامته على رأس أولوياتها، مما حدّ من انتشار الوباء والسيطرة عليه.
لا شكّ في أن العالم يشهد اليوم أزمة صحيةً عالمية لم يتمكّن حتى اللحظة من التعامل معها بفاعلية كافية، وليس هناك شكوك في خطورتها، وهي التي أودت حتى اللحظة بحياة آلاف البشر، وتهدد حياة مئات الآلاف من المصابين الذين ينتظرون علاجاً ناجحاً، فضلاً عن بقية العالم الذي ينتظر لقاحاً عاصماً من خطأ الوقوع في المحنة القاسية.
وما يزيد خطورة الأزمة أنها تتزامن مع أزمات أخرى حادة في مجالات ثانية مترابطة معها، كأزمة الاقتصاد العالمي المتصاعدة منذ العام الماضي، وأزمة الأسواق المالية، وأزمات أخرى مرتبطة بأسعار العملات، والحروب السياسية والعسكرية والاقتصادية والتجارية. فجائحة كورونا، شأنها شأن أحداث مفصلية في التاريخ كسقوط جدار برلين أو انهيار بنك ليمان براذرز، حدث عالمي يصعب تخيل عواقبه على المدى البعيد.
إلى أن نعرف مدى سرعة وشمول الاستجابة لتحدي الصحة العامة، يكاد يكون من المستحيل عمليا أن يتنبأ أهل الاقتصاد بنهاية هذه الأزمة. على الأقل، بقدر جسامة عدم اليقين العلمي بشأن فيروس كورونا، سيكون حجم عدم اليقين الاقتصادي الاجتماعي حول كيفية تصرف عامة الناس وصناع السياسيات في الأسابيع والأشهر المقبلة.
الدولة الأردنية تعي تماما حجم الضغط الإقتصادي والكلف التي ترتبت على الإجراءات الحكومية الحازمة حيث نعاني من نسبة مرتفعة من البطالة بحوالي 20% مع ارتفاع المديونية العامة، لتأتي هذه الجائحة لتضيف الملح على الجرح نتيجة تعطل أغلب القطاعات التجارية وخصوصا قطاع الخدمات الذي يشكل 70% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث ظهر ذلك جليا على قطاعات اقتصادية متعددة، مثل قطاع الزراعة، والقطاعات التصديرية، وقطاع النقل، وقطاع السياحة، بمختلف مكوناته، بما في ذلك الفنادق، والمطاعم، وخطوط الطيران، ومكاتب السياحة، والعديد من الصناعات التحويلية، والاستخراجية، وقطاع البناء، والحرفيين، والأعمال الصغيرة والمتوسطة، وغيرها من القطاعات التي عانت بشدة من هذه الظروف الطارئة، بالإضافة أن خسائر الإغلاق سوف تتسبب في اختلال معادلة الموازنة بمعنى أن الإيرادات المتوقعة لن تتحقق كما أن نسبة النمو لن تتحقق، وهذا سيضيف إلى الصعوبات التي تواجهنا، حيث قدر الخبراء حجم خسائر الاقتصاد الأردني إذا استمر الإغلاق حتى نهاية شهر أبريل الحالي، بأنها لن تقل عن 2.5 مليار دينار (3.5 مليار دولار).
وعلى الرغم من الإجراءات المميزة للحكومة والبنك المركزي من خلال سياسة التيسير الكمي وحزم الإنقاذ لمعالجة الآثار الآنية للجائحة والتخفيف من آثار الأزمة، لكن الوصول إلى نقطة التعافي، سيكون ذلك على حساب الإيرادات الحكومية، خاصة بعد أن جرى تأجيل سداد الأقساط والضرائب وأقساط الضمان الاجتماعي والرسوم، إضافة لخفض الفوائد ودعم القطاعات التي تضررت من خلال صندوق المعونة، وشبكة الضمان الاجتماعي .
نحن أمام تحدي وفرص حيث نشرت جامعة هارفارد ثلاثة سيناريوهات لتعافي الاقتصاد العالمي بعد أزمة فيروس كورونا أو ما يعرف بـ"كوفيد 19" في غضون 6 أشهر الى 18 شهر. لكن العالم سيشهد تحول كبير في الإقتصاد والجوانب الإجتماعية، سوف يخلف الضرر الذي لحق بالشركات وأسواق الديون تأثيرات سلبية بعيدة الأمد، خاصة وأن الديون العالمية كانت بالفعل عند مستويات غير مسبوقة قبل بدء الأزمة.
هذا يدفعنا لإعادة النظر بترتيب اولويات الدولة الأردنية من خلال إعادة توزيع ميزان النفقات الرأسمالية والجارية بالإضافة للإستفادة من صندوق همة وطن وتعزيزه بحيث يكون منصة تمويلية ممكن أن يعمل مع قطاعات استثمارية لإحداث تغيير بالإقتصاد الوطني لتمكينه من العمل بمرونة والتكيف في ظل هذه الظروف، حيث إقرار قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص يمكن القطاعيين من الإستفادة من الفرص الحقيقية التي تنامت في ظل هذه الأزمة حيث يجب التركيز على مصفوفات تعمل على إمتصاص الصدمة من خلال النقاط التالية:
1- السوق المحلي والاكتفاء الذاتي من زراعة وصناعة، وإعادة تعريف اولويات الإنتاج والاستهلاك المحلي.
2- تعزيز الإقتصاد الرقمي والذكاء الإصطناعي في التطبيقات الحيوية من تعليم عن بعد وصحة الى ادارة وتشغيل مرافق صناعية وخدمية وزراعية، وهنا حقق الأردن نقلات نوعية في مجال ICT والاستثمار في شركات التكنولوجيا خصوصا في ظل توفر بنية تحتية كبيرة وقوية. وهنا لا بد من إعادة النظر بتصنيف الجامعات والمدارس على أسس تكنولوجيا تواكب التطور، وترتقي بالمسار العلمي.
3- الطلب العالمي واولويات التسويق من خلال الشركات الكبرى خصوصا في مجالات الأدوية والصناعات الطبية والأسمدة.
4- تغيير آليات العمل من سلسلة التزويد الى سلسلة الإنتاج والتسويق العالمي، حيث إعتمدت العديد من الدول على هذ الجائحة لتسويق منتجاتها خاصة الطبية والامدادات الغذائية. إضافة لبناء قاعدة بيانات متكاملة لجميع سلسلة التزويد.
5- المرونة في طبيعة العمل، هذه الأزمة سوف تخلق فجوة بالعرض والطلب، وهنا تكمن القدرة على تغيير طبيعة العمل وتحويل النشاطات الصناعية والتجارية للمطلوب الان، حيث تزداد الحاجة لتصنيع أجهزة تنفس وكمامات وايضا توفير الامدادات الغذائية، لنعمل على خطط إعادة زراعة القمح وغيرها باستغلال الحصاد المائي والسدود الترابية الى ان نبني محطات التحلية بالطاقة الرخيصة المتأتية من طاقة الرياح والشمس.
6- الإستحواذ على شركات وكيانات صناعية، وهنا بحاجة لإعادة تقييم الأستثمارات الخارجية وإعادة توجيهها من قبل المواطنين لتكون مركزة في الأردن من أجل تحفيز الإنتاج وإستغلال الموارد الطبيعية بشكل متكامل.
7- تحفيز القطاع الصناعي والزراعي من خلال توفير الطاقة الرخيصة والحوافز الضريبية الكبيرة حسب تصنيف يعتمد على القيمة المضافة لهذه الكيانات الإقتصادية
8- تعزيز الامركزية في القطاعات الخدمية وتوزيعها على أكثر من منطقة في المملكة وتخفيف الإكتضاض في العاصمة.
9- السياحة الداخلية وأطر تعزيزها من خلال تقليل الكلف ورفع الكفاءة، وتسويقها محلياً.
كافة الدول باتت تعاني من الإجهاد المجتمعي الناجم عن انتشار الفيروس بطرق جديدة وقوية، وستكون الأردن إن شاء الله من الدول التي تنجو بفضل منعة نظامه السياسي والاقتصادي والصحي، وسيكون له دورا رائداً بمساعدة الدول التي ستخرج بنتائج مختلفة في معركتها ضد الفيروس القاتل.
حمى الله الأردن قيادة وشعباً والإنسانية جمعاء.