عالم بلا نقود ورقية، كورونا كذريعة!
د. حسين البناء
10-04-2020 12:44 PM
المال ليس له صورة حقيقية أخرى تعبر عنه سوى المال ذاته، والأشياء تتخذ قيمتها من ذاتها وليس الصور التي تتشكل عليها، فجميع صور المال هي مجرد شكل لحفظ القيمة و نمطية القياس ليس أكثر، وهذا ينسحب على العملات النقدية الورقية و المعدنية و الرقمية وشكل التداول الإلكتروني كذلك.
في المقابل نجد أن المال قد اتخذ أشكالا بديلة متعددة عبر التاريخ تحت وطأة مخاطر و صعوبات موضوعية تمثلت بصعوبة النقل والتخزين وإمكانية العطب و صعوبة التقييم والصرف والمبادلة والمقايضة كما كان في حالة الملح و السجائر و الأخشاب، حتى في حالة الفضة والذهب فلم يكن الخيار كاملا على مستوى العالم.
جاء النقد الورقي ليحل جزءا كبيرا من المشكلة، فهو شكل رسمي موحد، خفيف الوزن، معياري القيمة، و أداة معتبرة لتخزين ونقل القيمة، و هو وحدة للقياس و المحاسبة. إلا أن النقد الورقي يعاني من إشكالات التزوير و السرقة و التلف و الاحتراق و التهريب و تغير سعر الصرف و تآكل قيمته بسبب التضخم و حجمه الكبير في حالة المبالغ الضخمة، علاوة على إمكانية إخفاء سجلات مسيرته في عمليات الرشوة و الفساد و غسيل الأموال و تجارة المخدرات والتجارة غير المشروعة.
مؤخرا وبسبب تفشي وباء كورونا عالميا فقد أكدت الدراسات إمكانية نقل العدوى عن طريق الورق و الجرائد و العملة النقدية، فتعززت رواية سابقة تؤكد أن العملات الورقية هي أكثر الأشياء تلوثا بيلوجيا في العالم نظرا لكثرة ملامستها للأيدي وعلى نطاق واسع و مرات كثيرة في مسيرتها عبر الدورة الاقتصادية. من هنا انطلقت من جديد حملة عالمية قوية تدعو لإنهاء التعامل بالنقد الورقي و المعدني واستبداله بالتعاملات الإلكترونية و العملات الرقمية.
يمكن مناقشة فكرة إنهاء النقد التقليدي و إحلال الشكل الرقمي والإلكتروني مكانه في إطار الإيجابيات و المثالب، كالآتي:
إيجابيات العملة الرقمية والتداول الإلكتروني:
١- انعدام الوزن و الحجم والشكل المادي.
٢- سرعة فائقة في النقل والتبادل و التحويل والصرف.
٣- أمان مرتفع ضد السرقة و التزوير.
٤- كلفة إصدار صفرية من الجهات المصدرة.
٥- سهولة تتبع الحركات و ضبط سجلات التداول.
٦- انعدام إمكانية التلف أو التقادم.
٧- سهولة تتبع جرائم الرشوة و الاختلاس.
٨- كبح ممارسات التهرب الضريبي و تهريب النقد.
٩- سهولة تقدير السلطات للثروة أو المبيعات أو الأصول.
سلبيات و مثالب العملة الرقمية والتداول الإلكتروني:
١- إمكانية السطو الإلكتروني و سرقة الحسابات المالية أو تزييفها وممارسات الاحتيال الإلكتروني من قبل الهاكرز، و إمكانية تحديد و تسرب أرقام الحسابات و رموزها السرية في ظل ممارسات مؤكدة سابقة تشبه ذلك.
٢- انتهاء عصر الخصوصية في ظل كشف حركات الحسابات المالية للناس و تتبع مشترياتهم و دفعاتهم و تحويلاتهم، كل ذلك سيكون سجلا متاحا لاطلاع الحكومات و موظفي القطاع المالي.
٣- تعطل شبكة الإنترنت أو الهاتف أو الحاسوب معناه تعطل الأعمال المالية و وقف كافة أشكال الاتجار أو الدفع.
٤- الخضوع الكامل لسيطرة الحكومات والسلطات النقدية والشركات المالية، فبمجرد وضع إشارة التجميد على الحسابات المصرفية أو وقف التداول فذلك يعني حرمان صاحبها من أبسط الحقوق الحياتية.
٥- الاحتكار للنظام المالي من جهة الحكومات و الشركات و المصارف سوف يجبر المتعاملين على الرضوخ لأي متطلبات أو رسوم أو عمولات يتم طلبها، فلا خيار آخر هنالك.
٦- التوسع في الإنفاق و صعوبة ضبط المصاريف نظرا لتعدد مستخدمي البطاقات الائتمانية و استسهال الصرف لأفراد الأسرة وانعدام التفاعل المادي مع النقد لحظة الدفع.
بين هذا وذاك، يمكن النظر لمسألة تحول النقد لصيغته الإلكترونية كجزء طبيعي من التطور الجاري في جميع مناحي الحياة؛ فكما تم إلغاء النقد الذهبي في يوم ما، وكما تم استبدال البريد الورقي بشكله الحالي كبريد إلكتروني، وكما تم استبدال التوقيع بشكله الرقمي، فمن المتوقع قبول و تقبل فكرة إلغاء النقد الورقي والمعدني.