هل من أمر دفاع ضد التدخين؟
د. جمال استيتية
09-04-2020 02:57 PM
قانون الصحة العامة عام ٢٠٠٨ يمنع التدخين في الأماكن العامة للحفاظ على حق الآخرين بالتنفس في بيئة نقية من غازاته وسمومه. ومن وحي أوامر الدفاع ضدوباء كورونا الفتّاك بالنواحي الصحية والإقتصادية والإجتماعية والنفسية فإنني أدعو إلى دراسة أمر دفاع لكل زمان ومكان، ضد التدخين (السجائر والأرجيلة) والذي هو عدوٌّ للإنسان والمجتمع تماماً مثل كورونا ولكنه بطريقة بطيئة خفيّة وخبيثة.
إن المدخن إضافة إلى أنه يؤذي نفسه صحياً (بآثاره على الجهاز التنفسي والشرايين وزيادة نسبة الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان)، إلا أنه يؤذي من حوله بالتدخين التلقائي (السلبي). هل يعلم المدخن أنه يؤذي الجنين في رحم زوجته؟ هل يعلم أنه يؤذي أطفاله خاصة في السنة الأولى من أعمارهم؟ هل يعلم أنه يعرض مرضى الربو وكبار السن إلى نقص الأكسجين في الأماكن المغلقة؟ أليس هذا كمن ينشر كورونا بعلم أو بغير علم.
هل يعلم المدخن أنه إذا دخن على الأقل علبتي سجائر يومياً لثلاثين عاماً فإنه أنفق (على اعتبار أن أقل سعر للعلبة حالياً دينارٌ ونصف) ما لا يقل عن اثنين وثلاثين ألف دينار يمكن أن يقتني بها شقة صغيرة. أليس هذا من الضرر الاقتصادي على الفرد والأسرة للمدخن؟ هذا على اعتبار أن هناك فرداً واحداً فما بالنا إذا كانوا أكثر. ألا يعلم المدخن أنه إذا مرض فإنه قد تعطل إنتاجه وربما ينقطع في حالة العجز أو الوفاة. هذا ضرر إقتصادي على العائلة أولاً وعلى المجتمع الذي خسر إنساناً مُنتجاً. يقول قائل: الأعمار بيد الله والله هو الرازق. نحن لا نختلف على ذلك ولكن أين الأخذ بالأسباب للفرار من قدر الله إلى قدر الله الأسلم والأفضل؟
الأردن ينفق ما يعادل مليار دينار سنوياً على التدخين ناهيك عن الإنفاق على علاج الآثار الصحية المترتبة على ذلك. كم يكلف التدخين خزينة الدولة لعلاج السرطان وقسطرات وشبكات الشرايين؟ هنا أعتبر أن المال الخاص المنفق على هذه الأمور هو أيضاً ضمن بوتقة مقدرات الوطن. لماذا هذه الخسائر؟ أليس الأولى أن ننفقها استثماراً وإنتاجاً؟
قد يقول قائل إن الضرائب على التدخين ترفد خزينة الدولة. هذا صحيح بالمفهوم الحسابي، ولكن الخيارات الأخرى لتمويل الخزينة تكون فيها بركة أكثر بزيادة الإستثمار بعد التعثر الإقتصادي الذي نعيشه حالياً وخاصة الفئات الأكثر تضرراً وهي ذات الدخل المحدود وحالياً المقطوع. نرجو الله أن يعافينا قريباً.
لن أتكلم هنا عن الحكم الشرعي في التدخين فالكل يعلم والأكثر يتجاهل.
المواطن والإنسان يجب أن يتلقى التثقيف الصحي والإقتصادي والاجتماعي والنفسي عن التدخين تماماً كما يتلقاه اليوم عن وباء كورونا بكل قوة وبأساليب جذابة وقوية وتنافسية في الإتقان من جميع أطياف الإعلام وعبر التواصل الاجتماعي.
من هنا فإنني آمل بأمر دفاع يمنع التدخين في كل مكان حتى في البيوت. لا ينفع في البيت أن يكون "تباعد اجتماعي". يجب أن تبقى الحملة ضد التدخين مستمرة بأمر الدفاع ولا تهاون بمن يضر نفسه ومجتمعه. إذا أصرَّ فإن علاجه يحب أن يكون على نفقته تماماً مثل مصاب كورونا الذي يخفي إصابته.
أعلم أن كثيراً مما سيقرؤون مقالي مدخنون ولن يعجبهم مطلبي هذا. إذا كان من حقك أن تدخن، فإن من حق من حولك أن يستنشقوا هواء نقياً.
أرجو الله أن يديم الصحة والأمنين الإقتصادي والإجتماعي وأن يحمي الله الجميع.