دولة الرئيس .. درهم وقاية
د. اسامة تليلان
09-04-2020 02:09 PM
يدرك العالم كله أنه من الصعب أن تقوم دولة بفرض حظر شامل على مناحي الحياة لفترة طويلة فالآثار الناجمة عنه قد تكون أكثر تدميرا من الوباء ذاته، لكن الحظر قد يكون إجراء مؤقتا ومتكررا بين فترة وأخرى وقد يتحول الى جزئي او كلي بهدف السيطرة على انتشار الوباء وإعادة احتوائه للحفاظ على قدرة الرعاية الصحية على التعامل مع المصابين إلى أن يتوفر العلاج.
في الاردن بدأنا عملية حظر للتجول الشامل ثم تحول الى جزئي لأنه على ارض الواقع كان من الصعب الاستمرار به لمدة طويلة، وخصوصا على الذين يعتمدون على قوت يومهم ، وقد شاهدنا في تقرير ميداني لإحدى القنوات ما يؤكد ذلك، حتى الدولة لا تستطيع أن تستمر بدون عجلة إنتاج وبدون عودة مرافقها للعمل مهما كانت قدرتها على التحمل والفارق بين دولة ودولة في النهاية نسبي وليس مطلق. وهذا يعني انه لا بدا من عدة استراتيجيات تكمل بعضها البعض في إدارة أزمة الفيروس والتخفيف من تداعياته الأخرى.
لقد بذلت الحكومة وخلية الازمة وكافة الأجهزة والمؤسسات والوزرات وبمتابعة مباشرة ومستمرة من قبل قائد البلاد جهود جبارة ومقدرة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وقد استطاعت إلى الان السيطرة على انتشار الفيروس والحد من إمكانية تقدمه السريعة والمذهلة، وهي الان تتجه نحو التوسع في فتح الحظر الجزئي في بعض القطاعات.
وحتى لا تذهب هذه الجهود التي شهد بها الجميع ويعود الفيروس للتوسع والانتشار لا قدر الله لا بدا من الاخذ باستراتيجية الوقاية على نطاق واسع وبذات الاهمية التي طبقت فيها استراتيجية الحظر .
وهذا يتطلب العمل على محورين :
المحور الاول: فرض تدابير وقائية صارمة تساعد على عدم انتشار الفيروس تلزم الجميع بتطبيقها بقوة القانون وبقوة ردع العقوبات بحيث تشمل هذه التدابير التي تقرها الجهات الصحية والجهات المعنية ما يلي:
أولا: الاجراءات والتدابير الوقائية المتعلقة بالأفراد بصورة أساسية ومركزة بحيث تحكم آلية تنقلهم وتعاملهم مع السوق ومراكز الخدمات وغيرها، ثانيا فرض تدابير وقائية على كافة اوجه النشاط التجاري والخدمي والسلعي والاجتماعي. ثالثا فرض تدابير وقائية على كافة البنايات السكنية والتجارية ومرافقها العامة المشتركة. رابعا فرض عقوبات رادعة على القائمين على متابعة تنفيذ هذه التدابير في حال وجود أي تقصير في الأداء.
المحور الثاني: تفعيل الجيش الثالث الى جانب الجيش العربي والجيش الأبيض وهو الجيش المدني من المتطوعين، وينقسم الى قسمين قسم تابع لإشراف وزارات بعينها وقسم تابع لمؤسسات المجتمع المدني ، وذلك للعمل على المساعدة في ضمان تطبيق هذه التدابير والحث عليها ميدانيا والعمل على رفع الوعي العام لدى المواطنين بها، والاستمرار بتطبيقها ميدانيا لأطول فترة، وهذا القطاع تكمن أهميته بانتشاره الواسع في كافة المناطق والاحياء، ويندرج تحت هذا القطاع الهيئات والمنتديات الثقافية التي يتجاوز عددها سبعمائة هيئة ومنتدى، الشباب والمراكز الشبابية والمبادرات الشبابية، وهيئة شباب كلنا الاردن وكان لبعض فروعها مبادرات في هذا الاتجاه، والجمعيات النسوية والخيرية، ورجال الوعظ والارشاد.
إن كلفة هذه الاستراتيجية أقل بكثير من كلفة الحظر، ونتائجها أكثر ايجابية، فضلا عن أنها تشكل رديفا يخفف عن محور الرعاية الصحية وعن محور الحظر المستمر إن قرنت بالتطبيق الصارم، وما نخشاه بدونها أن نذهب للتوسع بفتح الحظر فنعود إلى المربع الصعب، ومن وحي المشاهدة في الأيام الماضية فأنه يكاد لا يلحظ أي إجراءات أو تدابير وقائية متخذة من المواطن والقائمين على السلع والخدمات بشكل يتناسب مع درجة خطورة الفيروس وسرعة انتشاره.. باستثناء حالات فردية. ومن المؤكد ان عدد وازن من الاصابات المسجلة جاءت لدينا نتيجة التراخي في اتخاذ هذه التدابير بل ان بعضهم من اهل الاختصاص، وهذا يؤكد على أنه ينبغي أن لا نراهن على حالة الوعي العام فقط وإنما لا بدا من إلزام القانون في تشكيل هذه الحالة وفرضها.
إن خطورة انتشار هذا الفيروس وآثاره على مختلف قطاعات الحياة تتطلب دمج أكثر من استراتيجية في التعامل معه، على ان عامل السرعة في اتخاذ الإجراءات السليمة يشكل عامل الحسم الأقوى. لذا فإن العمل ينبغي ان يتركز الان مع التوجه الى التوسع في فتح الحظر على ضمان فرض التدابير والإجراءات الوقائية طويلة الأمد على الجميع وهو ما سيسمح بعودة آمنة أكثر للعديد من مظاهر الحياة الضرورية.
بارك الله في جهودكم جميعا وليس أجمل من أن نحافظ على صورة الأردن التي سطعت بهذه الأزمة الكبيرة مع الاستمرار بالحفاظ على العباد والبلاد. وقد آن الاون لوضع مثل هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ الصارم.. ودرهم وقاية خير من قناطر علاج.