الجائحة .. والاصلاح الاجتماعي!
يونس الكفرعيني
09-04-2020 01:59 PM
ما قبل كورونا، وفي اغلب الاسر، يستيقظ رب الاسرة، ومن يشاركه من افراد عائلته في ماراثون كسب العيش، والرحلة اليومية الى ميادبن العمل، سواء اكانت زوجته عاملة او ابناءه، ان هذه الرحلة الشبه يومية تستهلك من اليوم ما معدله 11 ساعة، شاملة مدة العمل مع مدة الوصول والعودة، وقد يرافقها اوقاتا من التبضع او الزيارات، واذا اخذنا بعين الاعتبار وقتا ثابتا لساعات النوم، شاملة اوقات نوم الليل الطبيعية او استراحة ما بعد الغداء، فإننا نتحدث عن 7 ساعات نوم يومية بالمتوسط.
ولان انتظام اجتماع الاسرة في اغلب الاوقات لا يحدث، فغالبا ما يكون هناك غياب للبعض، وفي احسن الاحوال لا يكون هذا التجمع الا في موائد الطعام، او مناسبة معينة للتشاور، فلكل منهم حياة ومشاغل، متكيفة مبنية على متطلبات حياته، ناهيك عن غياب الدافع العاطفي والرغبة في تلمس الدفء الاسري، او الركون الى ان كل شيء طبيعي، وليس بالضرورة الاجتماع الحقيقي والاكتفاء بالتواصل الالكتروني.
لقد استعان الكثير منا بادوات التواصل الافتراضي في تعويض النقص في التواصل الحقيقي الواقعي، المبني على المشاهدات الفعلية والتلامس من مصافحة او احتضان من نحب، وهذا ما شكل فارقا كبيرا في قوة العلاقات الاجتماعية و"شدشدة" الاسر والعائلات النووية منها او الممتدة، وهذا التواصل عبر العالم الافتراضي اصاب العاطفة الاسرية في مقتلها وجعلها شبه متهالكة في حالة نزاع، الى ان وصلت الى حد الموت السريري في بعض حالتها.
ما بعد كورونا، ومن اهم انعكاسات هذا الوباء على الشعوب، ان الزم الاسر بان تستقر في بيوتها وتلزم الجلوس فيها ليس لساعات فقط، بل لايام واسابيع، وتحققت الطرفة التي لطالما ضحكنا منها، بان اتاح هذا الحظر الفرصة للقاء طويل والتعرف على الاهل، بل مدى جدية هذه الطرفة عن بعض العائلات، خصوصا تلك التي تحوي بين افرادها مراهقين وذوي اعمار شابة غالبا ما يكون معظم نشاطا خارجيا.
ان من مفاهيم الترابط الاسري ومن اهم نظرياته، هو طبيعة ومواصفات التواصل بين الوالدين والابناء وفي كلا المسارين، وما ينتجه هذا التواصل من محبة واحترام، وتقيد والتزام، وهذا ما ينعكس على مستوى التربية والدعم النفسي ومحفزات النجاح والتقدم في مسيرة الحياة. وهذا فعليا ما غاب عن اغلب الاسر من انقطاع لهذا التواصل او غياب نتائجه، وتداخل المؤثرات الخارجية والافكار الجديدة التي سيطرت على النمط الفكري والثقافي والتربوي داخل الاسر.
ولعل من فوائد هذا الحظر ومنع التجول والتزام البيوت، وتعطيل المشاغل المهنية والتعليمية، وانطلاقا من مبدا استخراج المنحة من المحنة، نجد ان هذه فرصة كبيرة وثمينة يجب استغلالها وبفعالية كبيرة، تصلح ما افسده الدهر، وتقيم الاعوجاج التي تسبب به التواصل الافتراضي الذي يجب ان يتقلص دوره في حياة الناس، وعلينا كسر هذا الجمود وان نستمرعلى هذه الوتيرة، ونعيد توصيل ما انقطع من حبال التواصل في دائرة الاسرة الصغيرة، حتى ينعكس على عموم المجتمع.
مشاهد وقصص، روايات ومواقف، لم نصدق الكثير منها نظرا لقسوة الحدث، نسردها بكل حزن عن احوال من تقطعت بينهم عرى المحبة العائلية وتفرقت جمتعهم وتشرذمت عواطفهم، وكل ذلك تم تدريجيا وباستخفاف، وتقليل لاهمية جلوس العائلة وبشكل يومي، بعيدا عن تكنولوجيا الاتصال التي فرقتنا اكثر مما جمعتنا احيانا، لنقم باحتضان عائلاتنا، وننشر المحبة بين افراد الاسر، ولننعم بحنان الالفة المنزلية، ففيها ما فيها الصدق قلما تجده خارج اسوار البيت.
دمتم بخير وعافية