تجربة التعليم الإلكتروني .. ما لها وما عليها!
د. اخليف الطراونة
08-04-2020 07:55 PM
نوع التعليم الذي ظهر لنا "خيارا وحيدا" أجبرتنا الجائحة التي تمر بها دولتنا ودول العالم أجمع على تقبله واعتماده لضمان استمرارية واحد من أهم القطاعات "التعليم" .. لنصبح أمام تجربة جديدة .. نحاول من خلالها اتباع نهج جديد في آليات التدريس والتواصل والتقييم وتفاعل الطلاب وحوسبة المناهج والاختبارات وغيرها من العمليات التعليمية .. على المستويين: العام؛ والعالي !!
نقف الآن أمام التعليم الإلكتروني بنوعيه: ( المباشر، وغير المباشر) من متطلبات كالبنية التحتية من توافر الأجهزة وشبكة الاتصالات والبرامج التعليمية والمنصات الإلكترونية وحوسبة المناهج .. وجاهزية وكفاءة أطراف العملية التعليمية من إداريين تربويين و أعضاء هيئة تدريس في الجامعات ومعلمين في المدارس وطلاب وقدرتهم على التعامل مع هذه الآليات والمنصات والبرامج بالآلية التي تحقق نتاجات التعلم وتضمن أكبر قدر من الفائدة المرجوة للطالب أولا واستمرار العملية التعليمية ثانيا .. ومن وضوح في السياسات التعليمية الجديدة والخطط الإجرائية والآليات الموحدة والمتبعة للتعامل مع الوضع كوحدة واحدة .. والثقافة المجتمعية المتقبلة لهذا النوع من التعليم والمؤمنة بدوره وأهميته وقدرته على النجاح وتحقيق التطلعات..
وهنا لابد من الإشارة إلى الدور الكبير الذي قامت به وزارة التربية والتعليم الأردنية - في ظل الظروف الراهنة والصعبة وفي فترة زمنية قياسية - من جهود في إنشاء المنصات الإلكترونية وحوسبة المناهج وتوفير الدورات التدريبية المحوسبة والاستفادة من القنوات التلفازية .. ومحاولة الوصول لأكبر شريحة ممكنة من المعلمين والطلاب وتغطية أكبر قدر ممكن من المادة الدراسية .. ضمن الإمكانيات المتوافرة !! وكذلك ما تقوم به العديد من المدارس الخاصة المتميزة من لعب دورها بالشكل الصحيح، وتسخير كافة الإمكانيات لتسهيل عملية التعليم والوصول به لمرحلة متقدمة في ظل ما تمتلكه من تقنيات وموارد مادية وبشرية متميزة.
إلا أن عين الناقد المحب المنتمي الساعي للتطوير والأفضل دوما .. لابد أيضامن أن تكشف أن حداثة هذه التجربة، وبعدنا عنها وإغفالنا لها فيما مضى ونقص الخطط البديلة دون أي اعتبار لأي تهديد أو تغيير؛ كشفت لنا عن جانب آخر!!
فما أشرنا إليه سابقا من متطلبات لهذا النوع من التعليم لم تتحقق بالشكل الكافي، ما أثر في مدى نجاح هذه التجربة بالشكل المأمول..
ففي التعليم العام .. رأينا ضعفا في البنية التحتية وتفاوتا كبيرا بين العديد من المناطق؛ ما يعني أن أي عملية تعليمية تقوم على المساواة تحتاج إلى وقفة .. ورأينا غيابا للسياسات أو القرارات كمصير امتحان الثانوية العامة الذي لم يعلن بعد والمادة المطلوبة واحتمالية حوسبة الامتحان وبقاء موعده أم ترحيله وغيرها.. كما رأينا نقصا في قدرات ومهارات القائمين على العملية التعليمية من طريقة التعامل مع البرامج والمنصات أو خلل في مفهوم المنهاج المحوسب .. فالتعليم الإلكتروني لا يعني – ولن يعني يوما – أن يلعب الطالب دور المتلقي السلبي الذي ترسل له المواد ضمن ملفات عبر وسائل التواصل دون أي اعتبار لمحتوى المادة أو أهمية التفاعل .. ودون أي استغلال لما تقدمه لنا هذه التقنيات من إمكانيات هائلة لخلق غرف صفية افتراضية تفاعلية تصل لمرحلة القاعة التدريسية التقليدية وأكثر ..
وبموازاة التعليم العام .. كانت المعاناة الأكبر لدى التعليم العالي .. والتي تمثلت فيما شهدت من ممارسات لبعض الزملاء في الجامعات من إرسال للمواد عبر مواقع التواصل من ( whatsapp,facebook) والاكتفاء بهذا تحت مسمى "التعليم الإلكتروني" وضعف قدرتهم على استخدام بعض المنصات الإلكترونية أو البرامج مثل Zoom أو Microsoft واستغلال هذه البرامج - رغم إمكانياتها وخياراتها العالية - بطريقة متواضعة والاكتفاء بكونها طريقة لتمريرالمادة وحسب؛ نتيجة لنقص الجاهزية والتدريب.. وما لاحظناه من رداءة بعض المنصات الإلكترونية ومشكلاتها التقنية والفنية وعدم قدرتها على مواجهة عدد الطلاب الكبير وكم المادة التي يتم تحميلها، ما شكل عبئا واعاقة للطالب أكثر من خدمته ودعمه.. والتفاوت الكبير الذي لمسناه في المستوى التقني والبنى التحتية والجاهزية بين الجامعات ..
وإغفال الموضوع الفني وتغطية شبكات الاتصالات وحزم الإنترنت لدى العديد من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس على اختلاف مواقعهم دون أي خطط أو آليات للتعامل معه قبل فرض هذه التجربة ..
كل هذه الجوانب التي شهدتها جامعاتنا وغيرها الكثير.. و ما ظهر على طاولة التعليم العالي من اقتراحات من إلغاء للفصل الثاني .. أو تمديده على حساب الفصل الصيفي .. أو خيار ناجح / راسب للجامعات .. بعد يشير إلى أن الثقة لم تتحقق "على اختلاف الأسباب".. وأن ما شهدناه من تميز يحتاج أن يخرج عن كونه مبادرات فردية من جامعة متميزة أو عضو هيئة تدريس مواكب أو تخصص في جامعة ما.. ويحتاج أن نقدر الوضع الحالي وقيادته بشكل أكثر كفاءة وموضوعية.. ودراسة هذه التجربة بشكل مستفيض بعيدا عن التنظير وإيجاد من هو المخطئ..واعتبارها بداية خير وتجربة جديدة تنهض بمستوى التعليم العالي ومسؤولياته مستقبلا .. كما يحتاج أخيرا أن ننظر له "نظرة وطن" .. يقدر لنا جهودنا ولكنه يحتاج منا دوما الأفضل!!