كان يخشى الرحيل قبل قيام الدولة الفلسطينية والمساهمة في إعمار ما هدمه الاحتلال...
عرفته جيداً, لم أكتب عنه في حياته, فاسمحوا لي ان أكتب عنه بعد رحيله...
أعطى حسيب الصباغ شعبه وقضيته بلا حساب, فكان المعطاء الصامت دائماً, يرفض ان ينشر خبراً أوصورة أو يدلي بتصريح, لانه اعتبر ان عطاءه السخي مجرد واجب عليه تجاه شعبه وقضيته...
رحل الاقتصادي الكبير والمحسن الأكبر حسيب الصباغ "ابو سهيل" أو "المعلم" وهو اللقب الذي اطلقه عليه أصدقاؤه ومحبوه وكل العاملين في "اتحاد المقاولين" الامبراطورية الانشائية التي اقامها مع قريبه وصهره سعيد خوري في الوطن العربي والعالم فشكلا "توأم النجاح" في رحلة العمر ومسيرة البناء...
رحل حسيب الصباغ الصفدي المسيحي الجليلي الفلسطيني العربي, ولكن الكثيرين سيذكرونه لان انجازاته واعماله الخيرة وثمار عطائه باقية, كما بصماته تدل عليه في كل ركن وزاويه...
سيذكره رواد حديقة حسيب الصباغ في طولكرم, وطلاب مدرسة حسيب الصباغ في منطقة نابلس, وطلاب مركز حسيب الصباغ لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الجامعة العربية الامريكية في جنين, وسيذكره رواد المكتبة الكبرى في مركز الشوا الثقافي في قطاع غزة وهي المكتبةالتي تحتوي على 17 ألف كتاب ومجلد, ويذكره بالخير كل من مر من أمام مبنى مستشفى حسيب الصباغ في رام الله, كما سيتذكره رفاقه في »مؤسسة التعاون« التي تقدم العون للشعب الفلسطيني. واذكر ان الدكتورأسعد عبدالرحمن قال في كلمته باجتماع المؤسسة قبل اعوام قليلة »حسيب الصباغ اكرم من عرفت« بعد عطائه السخي ودعمه المتواصل لمؤسسة التعاون...
أما رئيس الوزراء اللبناني الاسبق نجيب ميقاتي فقال في احدى المناسبات التكريمية: "حسيب الصباغ البناء العصامي المنتمي الى وطن الجروح المفتوحة والعذاب المستمر, استطاع بايمانه والتزامه وعزمه التغلب على الصعاب"...
وهنا يجب ان لا ننسى ان حسيب الصباغ علَّم ودرَّس الاف الطلاب من الموهوبين الفقراء حتى تخرجوا من اكبر الجامعات العلمية في العالم من دون ان يعرف احداً منهم. كما ان "ابو سهيل" يُحْسَب له عمله الأكبر والاهم وهو مشاركته في انشاء ودعم مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت التي ساهم في تأسيسها عام 1963 والتي يديرها مجلس امناء يضم نخبة من الباحثين ورجال الاعمال وشخصيات عامة من الاردن والبحرين ولبنان وسورية والسعودية والجزائر والكويت ومصر واليمن...
كان الراحل رجل اعمال ناجحا وكبيرا ولكنه, وهو الأهم, انه كان الانسان الذي تمتع باخلاق فارس زاده تواضعه احتراماً وتقديراً.
فرغم كل انشغاله باعماله الكبيرة والكثيرة وشؤون شركة اتحاد المقاولين, فهو لم ينشغل عن قضية شعبه فظلت صفد في وجدانه تأخذ كل حنينه, وقضية فلسطين همه الاول, واذكر انه حاول وسعى في نهاية الثمانينيات لتحقيق مصالحة بين الرئيس حافظ الاسد وياسر عرفات, وكادت ان تتم, الا ان المعادلة الاقليمية وتعقيداتها والتأثير الخارجي, وظروف المرحلة خيبت آماله وأفشلت مسعاه في مرحلته الاخيرة...
الكتابة عن حسيب الصباغ في هذه العجالة لا تفيه حقه, حتي الكتاب الذي نشره الدكتور محمد يوسف نجم حول سيرة ومسيرة حسيب الصباغ لا يغطي جوانب وتفاصيل هذه المسيرة الطويلة كافة التي تروي قصة نجاح هذا الرجل الكبير الذي عاش 90 عاماً من العطاء وهو يتطلع الى دور في إعمار فلسطين بعدما شارك في إعمار بلاد عربية وغربية, ولكن القدر كان له بالمرصاد فتحقق ما كان يخشاه فقد رحل قبل ان يرى قيام الدولة والمساهمة في إعمارها... له الرحمة...0
Kawash.m@gmail.com
العرب اليوم