خيارات الحكومات: الاقتصاد ام الصحة؟
أ. د. خالد شنيكات
06-04-2020 10:08 PM
يضع فايروس كورونا حكومات دول العالم أمام خيارات أخلاقية على المحك، بل في مأزق أخلاقي كبير بين خيارين، وصعوبة الجمع بينهما نظرا للتعارض الشديد بين الخيارين.
فالفايروس لم تتكشف بعد خصائصه، وتفاصيله، والتقارير الطبية لازالت تتحدث عن الكثير من تفاصيله منها:
١-بعد الحديث عن أن حضانته لاتتجاوز الاسبوعين، تغيرت هذه الفكرة كلياً لتصل إلى ٢٨ يوماً، وحتى بعض التقارير العلمية تتحدث عن انه بعد الشفاء لابد من أن ننتظر ٨ ايام حتى تتوقف احتمالية أن يكون المريض حاملاً للمرض، وبالتالي نقله.
٢- انه فايروس قاتل، وليس فقط يقتل كبار السن، إنما يقتل صغار وشباب، اي انه أخطر مما يتصور، ويضرب ليس فقط اجهزة التنفس، بل يضرب الكلى وحتى مواقع محددة بالدماغ، وقد يؤدي إلى فقدان حاسة الشم والذوق كما تقول التقارير العلمية المحدثة.
٣-إنه ليس فقط ينتقل عبر العطاس والسعال، وانما بالتنفس أو عبر الحديث، وان المسافة أقل من مترين قد تؤدي إلى انتقال الفايروس الى الشخص المقابل، وأن الشخص المصاب ليس بالضرورة أن يكون لديه أعراض، وهذه تعكس الطبيعة المخادعة والمراوغة للفايروس، وحتى الخبيثة للفايروس، وتتفاقم المشكلة مع غياب علاج ناجع أو لقاح حتى هذه اللحظة.
وأمام هذه الطبيعة المتغيرة للفايروس، وغياب المعلومات الكافية حوله، كانت استجابة الحكومات متباينة للفايروس.
وربما يكون غياب المعلومات الكافية، أو المعلومات غير الصحيحة حول الوباء حيث بداية ظهور الوباء في الصين، سبب في عدم النظر بجدية للوباء، وباعتباره لايختلف عن الانفلونزا العادية كثيرا، بل أن دول كالولايات المتحدة الأمريكية حينما تفاقم انتشار الوباء، وادراكها لابعاده الخطيرة اتهمت الصين لاحقاً بعدم الشفافية في تقديم المعلومات حول حقيقة الوباء، وبأن الوفيات التي أعلنت عنها الصين الناتجة عن الفايروس غير صحيحة ايضا.
وهذا ما يفسر في البداية سلوك كثير من الدول، ومنها إيران واسبانيا وايطاليا والولايات المتحدة الأمريكية بتفضيل الاقتصاد كون الوباء لايشكل خطراً فعليا، وبالتالي اعطاء الأولوية للانتاج على الصحة.
بل إن رئيس الوزراء البريطاني جونسون تحدث علانية عن مناعة القطيع، قبل أن يغير رأيه، ويتحدث عن ضرورة البقاء في البيت والالتزام بسياسة التباعد الاجتماعي بعد ارتفاع التكلفة البشرية.
ولذلك فشلت مقاربة أولوية الاقتصاد فعليا بعد انهيار القطاع الصحي في بعض الدول التي تفشى بها الوباء، والتكلفة البشرية والاجتماعية للوباء، ودخول الشعوب في حالة من الهلع، يفاقمها عدم اكتشاف علاج ناجع للمرض.
بقيت مقاربة الصحة والتي تعطي الأولوية لضمان عدم تفشي الوباء، والالتزام بمجموعة من القيود منها سياسات الحظر والتباعد الاجتماعي واستخدام الكمامات ووسائل التعقيم، وتعطيل للقطاع العام والخاص، ووقف الأنشطة الرياضية والاجتماعية والثقافية والدينية، ووقف حركة الطيران والتنقل العابر للحدود بين الدول لضمان وقف تنقل المصابون إلى حين السيطرة على مصادر الوباء وتجفيفها ومنع التفشي، والسماح فقط بامدادات الغذاء والدواء للسكان لضمان استمرار الحياة، والسماح بعودة الأنشطة الإنتاجية تدريجيا تبعا لتطورات الوباء وتجفيفه لاحقاً، مع الضمان بتطبيق سياسات الاحتواء والتباعد الاجتماعي حتى بعد السيطرة وانهاء وجوده.
هذا الخيار هو المعتمد حالياً لدى دول العالم، ويضمن الحفاظ على الأرواح واستمرار النشاط الاقتصادي بالحد الادنى، وبما يضمن استمرار الإنتاج الغذائي المحلي خاصة في ظل تنبؤات بحدوث أزمة غذاء عالمية بسبب الوباء، وإيجاد بدائل في إنجاز المعاملات الرسمية كاعتماد طريقة الدفع الالكتروني، وانجازات المعاملات الكترونيا، وكذلك التركيز على البديل الالكتروني في مجال التعليم، بالاعتماد على سياسة التعليم عن بعد منعا للاختلاط، ومحاولة كسب الوقت مع الفايروس لحين اكتشاف الدواء أو اللقاح للفايروس، وهذا الخيار الأمثل والاكثر عقلانية وواقعية، بعد فشل الخيار الأول.