حدود سلطة رئيس الوزراء في قانون الدفاع
عبد الكريم محسن ابو دلو
06-04-2020 05:53 PM
يظن الكثير أن تفعيل قانون الدفاع من شأنه تخويل رئيس الوزراء صلاحيات مطلقة بإدارة شؤون الدولة، لذلك نقرأ عن مطالبات بأن يقوم رئيس الوزراء في هذا الظرف وبالاستناد إلى قانون الدفاع باتخاذ العديد من القرارات وتحقيق بعض الإجراءات الاصلاحية مثل دمج الهيئات المستقلة.
ولكن بتحليل أحكام قانون الدفاع وقبله المادة 124 من الدستور التي تضمنت الأساس الدستوري لهذا القانون، ينتج أن سلطة رئيس الوزراء بممارسة صلاحياته بمقتضى قانون الدفاع محددة وفق أطر دستورية وقانونية لا يجوز تجاوزها، والتي يمكن رسمها وفق الآتي:
1. الالتزام بمضمون الإرادة الملكية السامية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء بإعلان تفعيل قانون الدفاع، اذ أوجبت المادة 2/ ب من قانون الدفاع أن (تتضمن الارادة الملكية بيان الحالة التي تقرر بسببها إعلان العمل بهذا القانون والمنطقة التي يطبق فيها وتاريخ العمل به). وقد صدرت الإرادة الملكية السامية بالعمل بقانون الدفاع في جميع أنحاء المملكة اعتبارا من 17/3/2020 لمجابهة انتشار وباء كورونا على المستوى الوطني وحماية السلامة العامة في جميع أنحاء المملكة.
كما تضمنت الإرادة الملكية السامية توجيها للحكومة بأن يكون تطبيق قانون الدفاع والأوامر الصادرة بمقتضاه في أضيق نطاق ممكن، وبما لا يمس حقوق الأردنيين السياسية والمدنية واحترام الملكيات الخاصة. وتعتبر الإرادة الملكية بهذه الحالة الإطار الفكري والتوجيهي لرئيس الوزراء بممارسة صلاحياته بموجب قانون الدفاع، فعليه أثناء ممارسته صلاحياته الدفاعية أن يلتزم بحدود الإرادة الملكية السامية ولا يتعداها.
2. شكل ممارسة الصلاحيات: ألزمت المادة 3/ب من قانون الدفاع رئيس الوزراء بأن يمارس صلاحياته بشكلية محددة حصرا هي الأوامر الخطية، بالتالي لا يمكن ممارسة الصلاحيات بأي شكل اخر. ونظرا لآثار تلك الأوامر فلا بد من نشرها بالجريدة الرسمية لإطلاع الكافة عليها. وأجازت المادة 3/ج من القانون ذاته لرئيس الوزراء تفويض جميع صلاحياته أو بعضها لمن يراه أهلا للقيام بذلك في جميع انحاء المملكة أو في منطقة محددة منها وبالشروط والقيود التي يعينها، ولم يمارس رئيس الوزراء حتى الآن هذه الصلاحية.
3. أهداف أوامر الدفاع: إن ممارسة رئيس الوزراء صلاحياته بموجب قانون الدفاع يجب أن تكون مخصصة الأهداف بتأمين السلامة العامة والدفاع عن المملكة، وبذلك فإن سلطة رئيس الوزراء بإصدار أوامر الدفاع مقيدة بالحدود التي تتقيد بهذه الأهداف. وينبنى هذا القيد الأساسي على حكم المادة 124 من الدستور التي نصت على اتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية لتأمين الدفاع عن الوطن.
ويعتبر هذا الإطار الدستوري والقيد القانوني هو لبّ قانون الدفاع وجوهره، فالغاية التي حددتها الإرادة الملكية السامية من الموافقة على إعلان تفعيل قانون الدفاع هي مجابهة انتشار وباء كورونا على المستوى الوطني وحماية السلامة العامة في جميع أنحاء المملكة، بالتالي لا يجوز لرئيس الوزراء اصدار أي أمر دفاع لا يرتبط مباشرة بتحقيق هذه الغاية، وإلا اعتبر بهذه الحالة ذلك الأمر غير مشروع ويجوز الطعن به لدى المحكمة الإدارية وفق منطوق المادة 8 من قانون الدفاع.
وقد حددت المادة 4 من قانون الدفاع الصلاحيات التي يستطيع رئيس الوزراء ممارستها بما يتوافق مع الهدف من تفعيل قانون الدفاع، مثل وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والاقامة وإلقاء القبض وتفتيش الأشخاص والأماكن والمركبات وإخلاء بعض المناطق أو عزلها وفرض منع التجول فيها وتحديد مواعيد فتح المحلات العامة واغلاقها كلها أو بعضها.
وقد وردت هذه الصلاحيات على سبيل المثال وفق منطوق المادة 124 من الدستور التي أعطت رئيس الوزراء صلاحية اتخاذ الإجراءات والتدابير الضرورية لتأمين الدفاع عن الوطن، فيعود تقدير طبيعة أمر الدفاع الى رئيس الوزراء على ن يكون الهدف منه مقيدا بتحقيق الهدف من تفعيل قانون الدفاع.
يتبيّن مما تقدم أن ممارسة رئيس الوزراء إدارة شؤون الدولة العادية التي تخرج عن نطاق قانون الدفاع وأهدافه تحكها النصوص الدستورية والقوانين والأنظمة النافذة بالدولة بالظروف العادية. فمثلا إذا أراد رئيس الوزراء دمج بعض الهيئات المستقلة، فيطبق على ذلك التشريعات المتبعة بذلك في الظروف العادية، ولا يجوز اللجوء إلى قانون الدفاع لإصدار أوامر دفاع بهذا الخصوص، لعدم ارتباط ذلك بمواجهة وباء كورونا.
4. حدود أوامر الدفاع: تضمنت المادة 124 من الدستور حكما استثنائيا بأن أعطت رئيس الوزراء صلاحية وقف قوانين الدولة العادية لتأمين الدفاع عن الوطن، خروجا عن الأصل بعدم جواز أن يلغي نصا قانونيا أو يوقف العمل به إلا بمقتضى نص قانوني مماثل له بالقوة أو أعلى منه، وأكدت هذا الحكم المادة 3 من قانون الدفاع التي مكّنت رئيس الوزراء من عدم التقيد بأحكام القوانين العادية أثناء اتخاذه التدابير والاجراءات الضرورية لتأمين السلامة العامة والدفاع عن المملكة، وكرست المادة 10 من قانون الدفاع هذا الاتجاه عندما قررت وقف العمل بأي نص أو تشريع يخالف أي حكم من أحكام هذا القانون والأوامر الصادرة بمقتضاه.
إن الحكمة من إعطاء أوامر الدفاع صلاحية وقف العمل بأحكام القوانين العادية هي مواجهة الظروف الاستثنائية التي تمر بها الدولة لتأمين الدفاع عن الوطن، إذ مُنِح رئيس الوزراء صلاحيات استثنائية قد تتعارض مع أحكام بعض لا يمكن تفعيلها إلا بوقف العمل بتلك الاحكام.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز لأوامر الدفاع أن تتضمن تشريع أحكام قانونية جديدة يعمل بها بدلا من الأحكام التي تم ايقافها، خلافا لما تم إيراده بأمر الدفاع رقم 1 لسنة 2020. فلم تنص المادة 124 من الدستور أو أي من أحكام قانون الدفاع على صلاحية رئيس الوزراء بإصدار أوامر دفاع تتضمن أحكاما قانونية يعمل بها عند وقف العمل بأي قانون عادي، إنما اقتصرت تلك الصلاحية على اصدار أوامر الدفاع اللازمة لممارسة الصلاحيات المنصوص عليها بالقانون بهدف تأمين السلامة العامة والدفاع عن المملكة بما فيها وقف العمل بالقوانين العادية فقط، إنما هذه وظيفة الاحكام العرفية التي تنظمها المادة 125 من الدستور.