من الواضح ان كورورنا الأردنية تتفاعل عميقا في الداخل الأردني وباتجاهات ربما تفضي لتغييرات عميقة في إطار تداعيات ما بعد كورونا، بما في ذلك مغادرة قوى وتيارات سياسية واجتماعية للمشهد العام في الأردن، مقابل ظهور قوى جديدة ،لم تكن بعيدة بالمطلق عن المشهد.
إن أحدا لا يستطيع أن ينكر النجاحات الباهرة التي تحققت حتى تاريخه في إدارة الأزمة، وتحديدا في صور وإجراءات وقف انتشار الوباء، التي تكفلت وزارة الصحة بمتابعتها بالتعاون والتنسيق مع القوات المسلحة، الا انه وفي ضوء تطورات لاحقة على مستوى أداء الفريق الوزاري، فقد أظهرت إدارة الأزمة أمام الرأي العام صورتان متناقضتان في تفاصيل الأداء اليومي.
الصورة الأولى أن هناك قوات مسلحة وأجهزة أمنية" وفق قانون الدفاع كافة القوى العسكرية تعمل بإمرة القوات المسلحة" ترفعت عن كل الصغائر ملتزمة التزاما عسكريا بالتوجيهات والأوامر بان مهمتها الأولى مواجهة انتشار كورونا وتامين سلامة حياة المواطنين وحدود المملكة، وقد ظهر ذلك جليا في الدوريات ونقاط العزل والتفتيش المشتركة،ومختلف محطات إدارة الأزمة.
إما الصورة الثانية فقد تفجرت بعد قيام أطراف ببيع تصاريح الحركة خلال حظر التجول،وهو ما اظهر ان هناك "جهات وتيارات ولوبيات" كل همها كيفية الاسترزاق من الأزمة، وتزامنت مع خروقات لبعض النواب في حظر يوم الجمعة، عززت نظرة الشارع الذي يرى ان المجلس النيابي لم يسهم ايجابيا في الأزمة،بالتزامن مع استعراضات لأوساط نقابية قيادية،وغياب للأحزاب السياسية، تبعها معالجات حكومية لم تقنع الرأي العام.
القوات المسلحة الأردنية كانت أمام تحدي حقيقي أمام هذا العبث،مدعومة بتوجيهات جلالة الملك لتطبيق القانون "فصحة الأردنيين وسلامتهم فوق كل اعتبار" لان مهمتها ليست فقط تنفيذ إجراءات العزل والحظر،بل ان هذه "التنفيذية" تشمل تامين ديمومة أسباب حياة المواطنين في كافة المناطق،بما في ذلك الحاجات الأساسية من متطلبات تموينية وغيرها، وهو ما تطلب دخول الجيش العربي لمعالجة التشوهات والاختلالات الطارئة التي كشفتها كورونا برسالة واضحة بان في الأردن دولة واحدة،وان أية تبرعات او جهود أهلية ،بما فيها جهود المجتمع المدني،تقدم من خلال مؤسسات الدولة وعنوانها الطبي وزارة الصحة.
واضح اليوم ووفقا لمؤشرات كثيرة،عبرت عنها تصريحات الدكتور الرزاز والكثير من خبراء الاقتصاد أننا قد نحقق مزيدا من النجاحات في محاصرة الوباء، الا ان هذا النجاح غير مؤكد على الصعيد الاقتصادي الذي سيكون تحديا حقيقيا،خاصة وان الأردن سيكون جزءا من ازمة عالمية،عنوانها النقص الحاد في السيولة النقدية، وستظهر الأزمات تباعا تحت عناوين متعددة تشمل قطاعات إنتاجية وخدمية، ستفرزها تداعيات كورونا، على شكل ملفات معقدة وشائكة.
تساؤلات كثيرة تطرح اليوم حول مدى القدرة على التكيف مع مخرجات الأزمة واحتواء تداعياتها التي لا تبشر بالخير أبدا.
الراي العام الأردني الذي يثق ثقة مطلقة بجلالة الملك، على يقين بان جلالة الملك الذي اكد المرة تلو الاخرى انه مطلع وبأدق التفاصيل على أحوال شعبه، لن يدخر جهدا في وضع قطار الخلاص على سكته، حوله رجال بايعوا وما اخلفوا قسمهم في بيعتهم الأولى،يزين جباههم تاج الهاشميين،عمرهم من عمر زيتونهم وسنابل قمحهم،لا تشدهم حوارات نخبوية حول نهاية الرأسمالية المتوحشة التي تقودها أمريكا والغرب،ولا الأبعاد الإنسانية والأخلاقية للاشتراكية،ولا التوظيفات السياسية لكورونا.