لم يعد السؤال اليوم يتركز على الأثر السلبي الهائل الذي أحدثه فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، بل كيف يمكن إدارة الفترة الحرجة التي يرجح امتدادها وفقا لأفضل السيناريوهات الى ثلاثة أشهر وبأقل الأضرار.
على صعيد المالية العامة هناك سيناريوهات عدة، ويجب الإقرار بأن هناك مجموعة من القرارات الصعبة التي يجب اتخاذها بحيث لا تخرج الأمور عن السيطرة؛ أولها مرتبط بإعادة ترتيب الأولويات وسبل الإنفاق، فهناك على سبيل المثال بنود استجدت على موازنة العام الحالي والمتمثلة بزيادة رواتب المتقاعدين العسكريين والمعلمين، فهل يمكن التفكير بتأجيل تلك الزيادات التي تقدر بحوالي 230 مليون دينار بالنظر الى الظروف الاستثنائية، الى جانب بنود أخرى مثل دعم الأعلاف وأشكال أخرى مختلفة من الإنفاق الرأسمالي الذي يمكن تأجيله، ويمكن الذهاب أبعد من ذلك لاقتراح قدمته دراسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي لرواتب العاملين في القطاع العام التي تزيد على ألف دينار، بحيث تخضع لنوع من التجميد أو الاقتطاع توفيرا لمبالغ لا تزيد من عجز الموازنة، تلك اقتراحات من شأنها توفير مبالغ على الموازنة وهي تعني “تجميد” وليس إلغاء لتلك المستحقات لحين عودة الدورة الاقتصادية الى مسارها، ولا يمكن الحديث عاطفيا عن هذه المسألة بل عمليا، لأن التوسع في عجز الموازنة سيرتب أعباء إضافية على الاقتصاد وتبعات غير محمودة.
على صعيد القطاع الخاص، فإن المعادلة يجب أن تقوم كما في العديد من الدول على تقاسم للعبء بين المؤسسات المختلفة وحسب أوضاعها وعمقها المالي، فهناك مؤسسات قادرة على الصمود وعبور المرحلة، وتلك المؤسسات تعرف نفسها، وتعرف أنها لا تحتاج الى دعم خلال المرحلة الانتقالية، وهناك مؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم نحتاج الى إبقائها في السوق والسعي لعدم إخراجها لأن من السهل عليها استئناف نشاطاتها حال انقضاء هذه الأزمة، وهنا لا بد من تفعيل مواد في القانون الذي ينظم عمل مؤسسة الضمان الاجتماعي والتعطل، بما يمكن المؤسسة من المساهمة في دفع رواتب بعض العاملين في بعض المؤسسات، خلال فترة الأشهر الثلاثة المقبلة، من دون أن يترك هؤلاء أعمالهم كما ينص القانون، وهذا من شأنه إفساح المجال أمام مؤسسات القطاع الخاص للإبقاء على العمالة وتجنب زيادة نسبة البطالة، وهذا ترتيب مؤقت سيساعد على استمرار العمال في مؤسساتهم، وفي بعض الحالات، فإن عددا من العاملين سيترتب عليهم أعباء مالية خلال هذه المرحلة، وهو ما يعني أن عبء المرحلة الانتقالية سيتوزع على عدد كبير، وبالنظر الى هذه الترتيبات المؤقتة، فإن القدرة على تحملها واردة.
البعد الثالث في وصفة العبور هو التفكير جديا باستعادة الدورة الإنتاجية في بعض الأنشطة الاقتصادية؛ إذ لا يمكن الاستمرار بإغلاق العديد من الأنشطة والمصانع القادرة على استئناف عملها ولا تعتمد على سلسلة إنتاج معقدة، بل كل ما تحتاج إليه هو عدد كاف من تصاريح التنقل وضمان إيجاد بيئة صحية ملائمة وفقا لأفضل الممارسات العالمية المراعية للتباعد الاجتماعي. وهذه أنشطة عديدة تسهم في الإنتاج المحلي والتصدير ولها عقود في مجال عملها.
الخلاصة، وبافتراض عدم ورود مساعدات إضافية، لا بد من التوصل الى صيغة قابلة للاستمرار تسمح باستعادة جزء من الأنشطة الاقتصادية، وصيغة يتوزع فيها الحمل على أكبر عدد من الفاعلين والعاملين، والتوقعات بأن الحكومة، أو القطاع الخاص وحده، قادر على الصمود خاطئة وقد تؤدي الى انهيار المنظومة بالكامل، ولا يمكن تخيل استمرارية القطاع الخاص وحده أو العكس بالنسبة للقطاع العام، فهناك اعتمادية متبادلة، لذا فإن الوقت الآن هو لاقتراح بعض الحلول وليس لشن الهجوم غير المبرر على فعاليات القطاع الخاص أو سوء الإدارة والأخطاء من قبل الحكومة. فالتكافل وسرعة توقيت القرارات مهمان جدا لعبور ظرف استثنائي يلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي.
(الغد)