الآن الآن وليس غدا .. الوطنية في زمن الكورونا
أيمن الغنميين
05-04-2020 07:32 PM
في العام 2007، نقل موقع "إنتروبرونور" المتخصص في ريادة الأعمال دراسة تحت عنوان "العطاء يجعلك اكثر ثراءً"، قاد الدراسة آرثر سي بروكس المحاضر الحالي في كلية هارفرد للأعمال، حيث قامت على تحليل العلاقة بين العطاء والثروة لرسم تصور حولهما يجيب على السؤال التالي: أيهما يؤدي للآخر؟! فيما اتبعت الدراسة المنهجية العلمية في جمع البيانات وتحليلها في معادلة أفضت لرؤية تقول أن إعطاء المال يزيد من مستوى الدخل.
أوجدت الدراسة أيضا مؤشرات واضحة تشير إلى أن الأشخاص دائمي العطاء يصنعون مالا أكثر وبشكل لافت مقارنة بأولائك الذين هم على النقيض، ولم تتوقف النتائج التي توصلت إليها إلى هذا الحد بل وخلُصت إلى أن الثروة والعطاء لا يسيران في اتجاه واحد "كلما ازداد ثراء الشخص زاد عطاؤه الخيري"، وهو الاتجاه المعروف، إنما وأيضا يسيران في الاتجاه العكسي: "كلما ازداد العطاء الخيري للشخص زاد ثراؤه".
اليوم لا يقوم فيروس كورونا بابتزاز المنظومة الصحية في دول العالم فحسب، بل يساهم بإذكاء مشاعر البؤس لدى ملايين البشر، ويتسبب بفقدان عشرات الملايين لأعمالهم اليومية التي تؤهلهم لشراء قوتهم وقوت عيالهم، في مشهد مرافق لسياسات الحجر المنزلي العالمية، والتي دفعت بالدول ذات المدخرات الكبرى لتعزيز إنفاقها ورفعه إلى ذروته للحفاظ على معاشات مواطنيها.
وفي الاردن، المشهد ذاته، وبلد بحجم بعض الورد، تميز بكونه اتخذ إجراءات حدَّت من انتشار هذه الجائحة فيه، فيما أشادت منظمة الصحة العالمية بالإجراءات الأردنية، مشيرة إلى أن الأردن من ضمن أفضل ٧ دول تعاملا مع الأزمة، ووسط احتفاء شعبي غير مسبوق، تحرر الحكومة الأردنية كامل طاقتها لاحتواء الوباء صحيا واقتصاديا.
بات لا يخفى على أحد أن لملف الكورونا شقين رئيسين، أولهما الجانب الصحي، والثاني هو الأعباء الاقتصادية المترتبة على التفاعل الصحيح مع الجانب الأول، وأصبح معروفا لدى الجميع أن الحكومة الأردنية تواجه في هذا معادلة صفرية، إذ لا يمكن أبدا فعل ما هو صواب صحيا إلا بخسارة متحققة اقتصاديا، حيث قدر خبراء اقتصاديون أن الخسارة اليومية الناجمة عن الحظر الصحي تكلف الاقتصاد الأردني ٣٠ مليون دينار، ناهينا عن القطاعات المتضررة وعلى رأسها القطاع السياحي والعاملين فيه، وعمال المياومة وغيرهم ممن عرقلتهم الأزمة.
والسؤال هل من متبرعين؟!
منذ بداية الأزمة قدمت ما يزيد عن ١٠٦ جهات تبرعات سواء لوزارة الصحة أو لوزارة التنمية الاجتماعية او ما وقع حديثا منها في صندوق همة وطن، هذا وبلغ إجمالي هذه التبرعات ٢١.٦ مليون دينار أردني تقريبا، وقدمت هذه التبرعات بصورة نقدية وعينية، والمبلغ كله لا يبعثني على الغبطة، لا سيما وأن ربع هذه التبرعات جاءت من القطاع العام، في حين بلغت فيه ودائع الأردنيين في البنوك الأردنية ٤٠ مليار دينار، أي وكما يقول المثل الشعبي "أعطاني من الجمل أذنه" فلا يغرّن أحدهم التصفيق الذي يسمعه بعد بضعة آلاف يؤدي بها متبرعا، فالكثير منهم يراها أرقاما طائلة، لكنها لا شيء في موازين ثرواتكم التي رباها هذا الوطن الطيب.
وفي الوقت الذي يصر فيه البعض على التفطحل برؤاه الرأس مالية القائلة بأن التبرع يأتي في أوقات الرخاء والرفاه، تحاكمنا الأخلاق الإنسانية لتجعله أفضل ما يمكن فعله في الكوارث، كيف لا وكل التفسيرات الدينية والمادية منها تشير إلى أن العطاء هو سمو النفس الإنسانية وسبب لسعادتها، فأين نحن من هذه التفسيرات؟! وأين يمكن أن يختبئ أرباب المال في بلادنا وقد حاصرتهم كل المحاجات التجريبية واللاهوتية في هذا الأمر؟! هل يستنقذ الله بأموالكم آلاف المتعسّرين والمتعثّرين من أبناء وطنكم؟!
هذا الوقت ليس للأغاني الوطنية المركبة على مقاطع مصورة لمواكب الجيش والأجهزة الأمنية، اتركوا هذه المتعة لمن ضاقت بهم الأزمة فوجدوا في رومنسيتهم الوطنية سعادة تغمرهم وتقيهم وساوس الحاجة من كل جانب، أما أنتم فسعادتكم تكون ببذل أموالكم على ما أوتيتم من سعة، ولا أقول سعادتكم فحسب، بل هو واجب يتحتم عليكم في ظرف حمل فيه البسطاء الشعار العسكري والملاقط الطبية في وجه الجائحة، أما أنتم فواجبكم اليوم يكمن في حمل دفاتر الشيكات، وتوقيع مبالغ تتناسب مع حجم ودائعكم، وعلى هذا فليكن أبناء وطنكم شهداء عليكم، بل وعلى من لا مال له أن يستحث من امتلكه، وجعله عرضة لمحاكمة أخلاقية وطنية وحازمة.
فاليوم نقف صفاً واحداً، نحن والوطن في هذه الجائحة، فمن ليس مع وطني فهو ضدي.