القطاع الزراعي أولا
د. راضي عبدالمجيد الطراونة
05-04-2020 03:55 PM
تبرز أهمية أي قطاع في وقت الازمات وعلى الرغم من أهمية القطاعات الاخرى فقد برزت أهمية القطاع الزراعي و رغم أننا نعيش أزمة صحية بامتياز الا ان تداعياتها و آثارها و معالجاتها لا يمكن أن تكون الا بمعالجات تكاملية تشترك فيها كل القطاعات حيث ان آليات التعامل معها و خططها لابد ان تؤشر على أهمية قطاع عن آخر فقوانين الطبيعة و احتياجات الناس ستفرز المساهمات الحقيقية لكل قطاع و عليه فسيتم ترتيب القطاعات حسب الاولوية من الأهم كثيرا الى الاهم الى المهم.
لقد وجه جلالة الملك الحكومة بإشارة واضحة لإعطاء القطاع الزراعي أهميته الكاملة في هذه الظروف و جلالته حفظه الله يدرك تماما أهمية القطاع الزراعي و بالذات في هذه المرحلة كيف لا وهو الاستشرافي الذي يسبق الجميع.
قد لا يكون من المناسب ان نقول رب ضارة نافعة فلا نفع قد يتوخى تحقيقه من أزمة الكورونا بل ان ضررها واضح بالتأكيد ليس فقط علينا بل على البشرية جمعاء, لكنه قد يكون من الممكن الاستفادة من الدروس التي خلفتها هذه الأزمة في جميع القطاعات و في كل المجالات, و ما دمنا نتحدث عن القطاع الزراعي فإنه من الواضح أنه و بسبب هذه الأزمة و تداعياتها فقد تراجعت منظومة الأمن الغذائي على أهميته لصالح منظومة الإكتفاء الذاتي اذ في الوقت الذي تدفع منظومة الأمن الغذائي بالدولة ان تؤمن باقي احتياجاتها من خارج حدود الوطن و في ظل الأزمة و ما ترتب عليها من إغلاقات حدودية فإن الإنتاج المحلي كأهم عنصر من عناصر الإكتفاء الذاتي يصبح هو الأساس حيث لم يبقى لدينا أمل من مفردات الأمن الغذائي سوى تعاقداتنا و مخزوننا على تواضعه.
أنا أعلم ان الجميع يعمل و بإشراف و توجيه ملكي مميز و أن الاردن قد تحول الى خلية كبرى لإدارة الازمة فشكرا لكل الجهود التي بذلت و شكرا للحكومة و القوات المسلحة و الأجهزة الامنية و الأجهزة الطبية و غيرها من الأجهزة الرسمية الأخرى, شكرا لأبناء الوطن الغيورين على مصلحته و تنفيذ ما طلب منهم, شكرا لعمال الوطن و مستخدميه و لأساتذة المدارس و الجامعات الذين يبذلون الجهد بالتدريس عن بعد لتستمر عجلة التنمية في المجتمع, شكرا للكوادر التجارية و الإقتصادية و الصناعية و الإجتماعية, شكرا للمزارعين و للقطاع الزراعي الذي يقدم الطعام لهم و يقدم الغذاء المناسب و التغذية السليمة للوقاية من فتك هذه الأزمة التي نضرع الى الله تعالى أن تنتهي على خير قريبا.
لقد اطلعت على مقال لمعالي الدكتور فايز الخصاونة و هو العالم الجليل الذي نحترم و نقدر, و يتحدث به عن القطاع الزراعي و تشابكاته و ضرورة اعتبار ظروفه و إنني في الوقت الذي أثني على ما ورد به من ملاحظات و بنفس الوقت الذي لا اتبنى فيه الدفاع عن أية أخطاء قد تحصل هنا أو هناك و لسنا مع المتاجرة في أزمات و قضايا الوطن و الناس الا أنه لابد من التأكيد على أهمية القطاع و انتشاره على حلقات التزويد الكثيرة و انتشاره أيضا على أكبر شريحة ممكنة من الناس سواء أكانوا منتجين أم مستهلكين, فمن منا ليس له علاقة بالزراعة بشكل أو أخر فقد يكون الضابط مزارعا كذلك الطبيب و المهندس و الموظف و المتقاعد, إضافة الى الرغبة الجامحة لدى العاملين في القطاع و المنتجين لتصريف إنتاجهم بالوقت المناسب و التي قد تدفع لأخطاء قد لا تكون مقصودة, فالسلع الزراعية هي سلع قابلة للتلف و لابد من تصريفها في وقت محدد.
إن الأزمة التي نمر بها لابد من الإستفادة من دروسها بإتجاه بناء استراتيجيات جديدة لتنظيم القطاع بحيث تعطى الأهمية التي يستحقها هذا القطاع كما يريدها جلالة الملك الداعم الأول للقطاع و أن نبتعد عن التقييمات الرقمية و حسابات الربح و الخسارة للقطاع على أن تشمل هذه الاستراتيجيات التركيز على مقومات الإكتفاء الذاتي لتشجيع زراعة السلع التي لم نحقق بها اكتفاء ذاتيا كبديل لسلع الفائض في الإنتاج مع أهمية التركيز على سلع الميز النسبية و التنافسية و السلع ذات القيم النقدية العالية لتكون أساسا في تبادلية سلع العجز في منظومة الأمن الغذائي مع الدول ذات العلاقة من خلال مجموعة من الرزنامات التبادلية للسلع الغذائية, من هنا فإننا نأخذ بتكاملية الإكتفاء الذاتي والأمن الغذائي معا.
ان مشكلة القطاع الزراعي لا تتمثل بغياب الإرادة السياسية العليا فهي موجودة من خلال دعم جلالته الدائم و اهتمامه المستمر في القطاع, و لا تتمثل بإدارة القطاع فأصحاب المعالي وزراء الزراعة هم من أبناء الوطن و معظمهم على قدر عالي من الكفاءة و الإنتماء الا أن المشكلة تكمن في تغول بعض القطاعات الاخرى عليه على قاعدة حسابات الربح و الخسارة و كلف الأنتاج دون فهم عميق لمنظومة التنمية الزراعية و الامن الغذائي و الاكتفاء الذاتي المعتمد على الانتاج المحلي للقطاع الزراعي و عليه فلابد من إعادة النظر في منظومة العمل باتجاه تحقيق التنمية الزراعية الشاملة في ظل المتغيرات الطارئة الجديدة سوا أكانت متعلقة في هذا الوباء أو ما يتعلق في التغيرات المناخية الطارئة أو غيرها.
حمى الله الاردن و قيادته و شعبه,
وحى الله الإنسانية جمعاء من شر هذا الوباء.