ليس دفاعاً عن الإعلام الرسمي
بلال حسن التل
12-01-2010 10:20 PM
الزملاء في الإعلام الرسمي الأردني تعرضوا للكثير من التجني والافتراء وحُملوا أوزار غيرهم
مطلوب تحرير الإعلام الرسمي من العقلية السياسية التي تتحكم فيه
لا أحد يستطيع إقناعنا بان الدولة عاجزة عن حل مشكلة الإعلام الأردني
أعطوا الإعلاميين الأردنيين الإمكانيات والظروف وخذوا منهم إعلاماً مميزاً
أما وقد أعطت حكومة الرفاعي الجديدة، للإعلام أولوية متقدمة على جدول اهتماماتها، فأصدرت مدوّنة السلوك التي تنظم العلاقة بينها وبين الإعلام والصحافة على وجه الخصوص، فقد آن لها أن تلتفت إلى بيتها الإعلامي الداخلي. أعني الإعلام الرسمي ممثلاً بوكالة الأنباء الأردنية - بترا ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون أولاً، وبسائر دوائر الإعلام الرسمي ثانياً. فلعلها تبرهن لنا ان الدولة الأردنية جادة في معالجة ملف الإعلام الأردني. فلا أحد يستطيع إقناعنا بأن هذه الدولة عاجزة، عن معالجة هذا الملف. الذي ما زال معلقاً منذ قرابة العقدين، ظل خلالهما الإعلام الأردني محل جدل. مما ولد عند الكثيرين من المهتمين بهذا الملف أنه ليس هناك نية جادة لبناء إعلام أردني قادر وفاعل. بل العكس هو الصحيح فقد صار واضحاً لدى الكثيرين أنه في إطار جهود إضعاف الدولة الأردنية، وتجريدها من أسلحتها وأدواتها، وعناصر قوتها يجري تدمير الإعلام الأردني وخاصة الرسمي منه. حيث ظل هذا الإعلام يتعرض خلال العقدين الماضيين إلى سلسلة من الانتقادات اللاذعة. وتم توجيه الكثير من التهم إليه. وعندي أن فيما قيل بحق الإعلام الرسمي الأردني الكثير من الظلم والتجني، وكما تم تحميله لأوزار أرتكبها غيره. ولخطايا اقترفها آخرون.
إن الحالة التي وصل إليها الإعلام الرسمي الأردني، لا يتحمل مسؤوليتها الزملاء العاملون فيه. وخاصة في وكالة الأنباء ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون. ففي كلتا المؤسستين قامات مهنية عالية، قادرة على صناعة إعلام متطور قادر ومؤثر. بدليل أن العديد من المؤسسات الصحفية المحلية والعربية تستعين بهم كمراسلين ومحررين ورؤساء أقسام ومديري تحرير. فلو لم يكن هؤلاء الزملاء في كلتا المؤسستين مهنيين متميزين، لما استعانت بهم الصحافة الأردنية والعربية. بل وأبعد من ذلك، ألم يحتل الزملاء من كلا المؤسستين، وما زالوا مواقع متقدمة في الإعلام العربي والعالمي، بمكوناته الثلاثة المرئي والمسموع والمقروء؟. ولنستعرض أسماء نجوم قنوات الجزيرة والعربية
والـ M.B.C و B.B.C لنعرف كم عدد الإعلاميين الأردنيين الذين يلمعون في سماء هذه المحطات. ولنستعرض الأسماء البارزة في الكثير من الصحف العربية خاصة في الخليج لنكتشف أن نجاحها يقوم على أكتاف زملاء أردنيين لم يوفر لهم الإعلام الرسمي الأردني ما يمنعهم من الهجرة، كما عجز عن استثمار مواهبهم وتوظيف كفاءاتهم ومهنيتهم العالية. مما يبرهن على ان العيب ليس في الزملاء العاملين في الإعلام الرسمي، وخاصة الوكالة والمؤسسة. بل في الظروف التي يعملون فيها. والتي تحول بينهم وبين الإبداع. وكذلك في العقلية السياسية التي تحكم مؤسساتهم وتخنق حرفيتهم. وكلاهما أعني الظروف والعقلية، آن أوان تحرير الإعلام الرسمي الأردني منهما. ليتمكن الزملاء العاملون فيه من تطويره والوصول به إلى ما يتمنون، وما يفوق توقعات الحكومات المتعاقبة منه.
لقد دلت التجارب على أن الإعلاميين الأردنيين قادرون على صناعة إعلام قادر ومؤثر، إن هم أُعطوا الفرصة. والدليل في تجربة الإعلام الأردني قبل عقدين. وفي حجم النجاح الذي حققته وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة التي أسسها الإعلاميون الأردنيون في الخليج وفي غير الخليج. التي ما زال الكثير منها يقوم على أكتاف أردنيين؛ كثيرون منهم كانوا في الإعلام الرسمي الأردني.
إن إخراج الإعلام الأردني عموماً، والرسمي منه على وجه الخصوص، من أزمته ليقوم بأدواره المطلوبة منه تقتضي أول ما تقتضي، تغير العقلية السياسية التي تحكمه، والتي تحكمها في جلّ الأحيان. إن لم يكن كلها المزاجية، المبنية على الجهل، وعلى المواقف الشخصية. فكم عدد الوزراء الذين تولوا مسؤولية الإعلام الأردني خلال العقدين الماضيين؟، وكم واحدا منهم كان يفتقر إلى الرؤية السياسية والإعلامية والإلمام بأبسط قواعد العمل الإعلامي؟. علماً بأن الكثيرين من هؤلاء الوزراء، كانوا يصرون على التدخل في تفاصيل العمل اليومي للزملاء في الوكالة والمؤسسة. بل إن بعضهم كان يتدخل في مفردات الخبر، ومدته وطوله وقصره، ومنتاج الصورة. دون أن يكون لديه الحد الأدنى من المعرفة المهنية بهذه القضايا. فإذا أضفنا إلى ذلك أن الكثير من الجهات الرسمية تستقوي على أجهزة الإعلام الرسمي فتصر هي على كتابة أخبارها وتقاريرها، ولا تترك للزملاء العاملين في أجهزة الإعلام إلا مهمة البث؛ فكيف نلوم هؤلاء الزملاء على أخطاء غيرهم؟ ولماذا نحملهم فشل هذا الغير؟.
لم يقتصر التدخل في تفاصيل العمل اليومي للزملاء في الإعلام الرسمي على الوزراء الذين تحملوا مسؤولية الإعلام عبر العقدين الماضيين. بل لقد كان الإعلام الأردني وما زال يعاني من تعدد المرجعيات. وتدخل هذه المرجعيات في توجهاته. بل وفي أسلوب عمله في اعتداء صارخ على مهنية العاملين فيه. ولا نريد القول «التشكيك» في ولائهم وانتمائهم لبلدهم. وكأن الطارئين على المواقع المتقدمة أكثر ولاء وانتماء من شباب الإعلام الأردني الرسمي، الذين نذروا حياتهم وأقلامهم لعقود طويلة في الدفاع عن الأردن وبناء صورته المشرّفة. ثم حُملوا نتائج أخطاء وتدخلات غيرهم في تفاصيل عملهم.
لقد زاد الطين بلة تخبط الحكومات المتعاقبة في تحديد المرجعية الإدارية والسياسية الرئيسية للإعلام، من خلال الدوران في حلقة مفرغة،حول وجود وزارة الإعلام من عدمه، وحول ارتباط الإعلام تارة برئيس الوزراء وأخرى بهذا الوزير أو ذاك وصولاً إلى الحالة الهلامية التي صارت تعيشها المرجعية الإدارية للإعلام الرسمي الأردني. وطبيعة علاقتها بالمؤسسات الإعلامية.
إن أول خطوات إصلاح أوضاع الإعلام الرسمي الأردني، تقتضي تحديد وتوحيد مرجعيته السياسية والإدارية، وكف يد كل المتدخلين في تفاصيل العمل اليومي للعاملين في هذا الإعلام، واحترام مهنيتهم وإخلاصهم، وانتمائهم لبلدهم وحمايتهم من المزاجية في التعامل معهم، والعمل ما أمكن على إنهاء التغير السريع على المواقع الإعلامية القيادية، من خارج إطار الإعلاميين الأردنيين. فمن حق هؤلاء الإعلاميين أن يشغلوا المواقع القيادية في مهنتهم ومؤسساتهم.
بعد تحديد وتوحيد المرجعية السياسية والإدارية للإعلام الأردني عموماً، والرسمي منه على وجه الخصوص، لا بد أيضاً من تأمين مصادر المعلومات له، فمن المعيب أن يستمر المسؤولون الأردنيون والأجهزة الرسمية الأردنية بتسريب الأخبار، خاصة المتعلقة منها بالقضايا المحلية الأردنية إلى وسائل إعلام غير أردنية، وإلى إعلاميين غير أردنيين. وحرمان وسائل الإعلام الأردنية والإعلامين الأردنيين منها، ثم لومهم بعد ذلك على التقصير في الحصول على المعلومات والتشكيك بمهنيتهم. وإذا أراد أحد فإننا قادرون على تزويده بالعديد من الحالات التي تحول فيها وزراء ومسؤولون أردنيون إلى مراسلين لدى مندوب هذه الوكالة أو تلك المحطة. حاجبين للمعلومات عن الإعلام والإعلاميين الأردنيين. وهي ممارسة سياسية لا تجدها إلا في الأردن. الذي آن له أن يبني إعلامه ومصداقية هذا الإعلام وسمعته، من خلال تزويد أجهزة الإعلام الأردني بالمعلومات وخاصة الهامَّ منها.
وكما يحتاج الإعلام الأردني إلى مصادر المعلومات، فإنه يحتاج إلى الإمكانيات المالية، فالإعلام يعني إنفاقاً مالياً، وظروفاً مالية محترمة تمكن العاملين فيه من التفرغ له، والتركيز بعملهم كي يبدعوا. فهل يعقل أن تبقى رواتب العاملين في «بترا» ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون على هذا النحو، مقارنة بنظرائهم في وكالات أنباء أخرى وفي محطات تلفزيونية وفضائيات أخرى؟ ثم نطلب منهم الإبداع والمنافسة. لذلك فالمطلوب إعادة النظر في سلم رواتب الزملاء في الإعلام الرسمي. لنوفر لهم ما يمكنهم من التفرغ والإبداع والتمييز في المظهر والمخبر. آخذين بعين الاعتبار أهمية السفر للإعلامي وأهمية مشاركته في الندوات والمؤتمرات، وأهمية تغطيته للأحداث المهمة في العالم من خلال وجوده في موقع الحدث. وعليه؛ فلا بد من توفير موازنات كبيرة للمؤسسات الإعلامية الرسمية تمكنها من توفير كل متطلبات الإبداع للعاملين فيها. على أن تتم حماية هذه الموازنات من تدخلات المسؤولين الكبار، فكثيراً ما يسطو هؤلاء المسؤولون على موازنات المؤسسات الإعلامية لتغطية هداياهم وولائمهم وأسفارهم. بالإضافة إلى سطوهم على معداتها، خاصة السيارات لتكون في خدمة زوجاتهم وغير زوجاتهم.
ومثل توفير الإمكانيات المالية، فانه لا بد من تطوير وتحديث الأجهزة الفنية التي يعمل من خلالها الزملاء في الإعلام الرسمي، من أجهزة حاسوب، وكاميرات، واستديوهات وسيارات لتنقلاتهم ..الخ.. الخ. على أن يتلازم ذلك كله مع وضع أسس خاصة للتعيين في وسائل الإعلام، تقوم أولاً على الإبداع، وعلى الموهبة. فلا يجوز أن يتم التعيين في هذه المؤسسات وفق الأسس التي يتم التعيين على أساسها، في مؤسسة خدمية ثم نطالبها بالإبداع والتميز.
خلاصة القول: إن العيب ليس في العاملين في الإعلام الرسمي الأردني، بل في الأجواء التي يعملون بها، والاحباطات التي يتعرضون لها، والمزاجيات المتقلبة والمتضاربة حتى داخل الحكومة الواحدة التي تتحكم في عملهم. فحرروهم من هذا كله ووفروا لهم إمكانيات العمل المالية والفنية ثم حاسبوهم؛ فهذا هو طريق بناء الإعلام القوي القادر، وليس إصدار المدوّنات ومواصلة توجيه الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة. وحتى يتحقق ذلك كله أوقفوا على الأقل سهام اللوم والملامة.
اللواء.