الأثر القانوني للإلتزامات التعاقدية تزامناً مع كورونا في ظل قانون الدفاع
المحامية ايناس الفقهاء
03-04-2020 11:21 PM
الأثر القانوني للإلتزامات التعاقدية تزامناً مع أزمة وباء كورونا في ظل قانون الدفاع
على ضوء ما يشهده العالم اليوم ، وما يسود وطننا من انتشار فيروس كورونا كوفيد ١٩، ومدى خطورته التي تكمن بسرعة انتشاره وتطوره، تثور العديد من التساؤلات لعلها أبرزها ما يتعلق بالالتزامات التجارية والمدنية المترتبة على العديد من الأشخاص، يتمخض عن التصرفات اليومية آلاف الالتزامات؛ إذ نجد أنفسنا في الدقيقة الواحدة نبرم مئات العقود، وعلى صعيدٍ أعلى هناك عقود وصفقات تبرم يترتب عليها التزامات هائلة ، فكيف تعاملت الحكومة الأردنية مع الفايروس ؟ وما التكييف القانوني للالتزامات التي تنشأ تزامنًا مع وباء كورونا ؟ وهل يمكن للأشخاص التذرع بوباء كورونا للتملص من الالتزامات المترتبة عليهم ؟
للإجابة على ما سبق لا بد أولاً من الوقوف على موقف الحكومة الأردنية بالتعامل مع الوباء قانونيًا : إذ قامت الحكومة الأردنية متمثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني -حفظه الله ورعاه- والسادة الوزراء الكرام ، على غرار غيرها من الدول، باحتضان الأزمة على نحو اثبتت فيه للعالم الغربي قبل العربي مدى حكمتها وقوتها السياسية والقيادية بالرغم من شح مواردها الاقتصادية، فانتهجت عدة محاور كان أبرزها إعلان قانون الدفاع، وذلك منذ ان قد صدرت الإرادة الملكية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء رقم ٩٠٦٠ في جلسته المنعقدة بتاريخ ١٧/٣/٢٠٢٠.
إذ تم إعلان العمل بقانون الدفاع رقم ١٣ لسنة ١٩٩٢ في جميع أنحاء المملكة من تاريخ صدور الإرادة الملكية وذلك بالإستناد لنص المادة ١٢٤ من الدستور الأردني، وكلاً من الفقرة أ و ب من المادة الثانية من قانون الدفاع رقم ١٣ لسنة ١٩٩٢.
فنجد أن السند الشرعي لإعلان قانون الدفاع قد كرسته المادة ١٢٤، وذلك في "حالة وقوع طوارئ".
ويصبح القانون ساري المفعول عندما يعلن عن ذلك بإرادة ملكية، تصدر بناءً على قرار من مجلس الوزراء . ونجد أن قانون الدفاع قد صدر سنة ١٩٩٢ مع وقف التنفيذ والعمل به، ودخل حيز النفاذ بصدور الإرادة الملكية بإعماله وإدخاله حيز النفاذ.
وبالرجوع إلى الفقرة أ من المادة الثانية من قانون الدفاع رقم ١٣ لسنة ١٩٩٢، نجد أنها قد نصت على أنه يتم اللجوء إلى إعلان العمل بهذا القانون فور وقوع طوارئ تهدد الأمن الوطني أو السلامة العامة في جميع أنحاء المملكة أو في منطقة منها؛ بسبب وقوع كوارث عامة او انتشار آفة أو وباء.
أما عن الفقرة ب من ذات المادة السابقة؛ فحددت النطاق المكاني والزماني وسبب إعمال قانون الدفاع، وبالرجوع إلى قرار مجلس الوزراء رقم ٩٠٦٠، نجد أن جلالة الملك عبدالله الثاني -حفظه الله ورعاه- أصدر إرادته الملكية انسجامًا مع النص الدستوري على النحو التالي:
(نظرًا لما تمر به المملكة الأردنية الهاشمية من ظروف طارئة ، وبسبب إعلان منظمة الصحة العالمية انتشار وباء الكورونا ، ولمجابهة هذا الوباء على المستوى الوطني وحماية السلامة العامة في جميع أنحاء المملكة ،فقد قرر مجلس الوزراء ، استنادًا لأحكام المادة (124) من الدستور والفقرتين (أ) و(ب) من المادة (2) من قانون الدفاع رقم (13) لسنة 1992 ، إعلان العمل بقانون الدفاع رقم (13) لسنة 1992 في جميع أنحاء المملكة الأردنية الهاشمية اعتباراً من تاريخ صدور الإرادة الملكية السامية )
والآن لا بد من تسليط الضوء على الأثر القانوني المترتب على إبرام العقود تزامنًا مع اعلان قانون الدفاع، فنجد ان الأصل في العقد إذا أبرم وتوفر ركنه الذي فرضه القانون، والشروط التي فرضها القانون، ولم يشوبه عارض من عوارض الأهلية ولا عيب من عيوب الرضا، فان العقد يكون صحيحًا ملزمًا لأطرافه لا يجوز الرجوع عنه ولا تعديله ولا فسخه إلا بالتراضي أو بالتقاضي أو بمقتضى نص بالقانون وهذا ما أكدته المادة ٢٤١ من القانون المدني الأردني رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٦
وبالرجوع لنص المادة ١١ من قانون الدفاع رقم ١٣ لسنة ١٩٩٢ والتي نصت على ما يلي:
"اذا تعذر تنفيذ أي عقد أو التزام بسبب مراعاة احكام هذا القانون أو أي أمر أو تكليف أو تعليمات صادرة بمقتضاه أو بسبب الامتثال لهذه الأحكام فلا يعتبر الشخص المرتبط بهذا العقد مخالفاً لشروطه بل يعتبر العقد موقوفاً إلى المدى الذي يكون فيه تنفيذ العقد متعذراً ويعتبر ذلك دفاعاً في أي دعوى أقيمت أو تقام على ذلك الشخص أو أي إجراءات تتخذ ضده من جراء عدم تنفيذه للعقد أو الالتزام ."
فنجد أنه انطلاقًا من القاعدة المتعارف عليها " لا اجتهاد في مورد النص" فنجد أن النص اعتبر أنه في حال تعذر تنفيذ العقد أو التزام (وجاءت مطلقة بالتالي أي التزام) بسبب مراعاة احكام هذا القانون أو أي أمر أو تكاليف او تعليمات تصدر بمقتضاه، فإن الطرف المقابل للعقد أو للالتزام لا يعد مخالفًا لالتزامه، ولا يترتب على الجهة المطالبة الدفع بالتنفيذ ولا الدفع بالفسخ، إذ اعتبر المشرع أنه في ظل هذه الأوضاع يعتبر العقد موقوفًا.
وبالرجوع الى نص المادة ١٧١ من القانون المدني رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٦، نجد أنها حددت حالات العقد الموقوف ومن بينها: "إذا نص القانون على ذلك" فجاء نص المادة ١١ من قانون الدفاع رقم ١٣ لسنة ١٩٩٢ ونص على احدى الحالات التي يكون بمقاضاتها العقد موقوفًا.
والعقد الموقوف متعلقًا على إجازة صاحب الحق في الإجازة، فإن إجازه نفذ وإن لم يجزه اعتبر كان لم يكن.
وبالرجوع إلى نص المادة ١٧٢ من القانون المدني السابق، نجد أنها بينت حالات اجازة التصرف الموقوف، ومن بينها "لمن يخوله القانون ذلك"
ونص المادة ١١ من قانون الدفاع السابق، حدد النطاق الزمني لبقاء العقد موقوف وهو "إلى المدى الذي يكون فيه تنفيذ العقد متعذرًا"
وبالتالي ومع تقديري الشديد للرأي الذي أخذ بالتفريق ما بين التزامات وعقود أصبح تنفيذها غير ممكن وبالتالي يجب إعمال القوة القاهرة، والتزامات وعقود أصبح تنفيذها مرهقًا وبالتالي يجب إعمال نظرية الظروف الطارئة.
ولكنني أرى أنه يمكن الأخذ بهذا الرأي فقط في الفترة الواقعة من انتشار الوباء بشكل ظاهر للعيان إلى أن صدرت الإرادة الملكية بإعلان قانون الدفاع، وتحديدًا منذ إعلان تعطيل المؤسسات الرسمية والدوائر وذلك من ١٥/٣/٢٠٢٠ وحتى ١٧/٣/٢٠٢٠
فهنا يمكن القول:
أن المادة ٢٦١ من القانون المدني السابق، قد نصت على "أثر السبب الأجنبي في ضمان الضرر"
وبالرجوع للمذكرة الإيضاحية للمادة ٢٦١ نجد أنها نصت على أنه "إذا لم يكن هناك علاقة بين الفعل والضرر، فلا يكون الشخص مسؤولاً، و تنتفي علاقة السببية إذا وجد السبب الأجنبي كآفة سماوية او كحادث مفاجئ او قوة قاهرة"
وبالتالي فإن وباء كورونا يمكن أن يعد احدى صور القوة القاهرة، في حال كان تنفيذ الالتزام غير ممكنًا.
أما إن كان هناك إمكانية من تنفيذ الالتزام ولكن تنفيذه وإن لم يكن مستحيلاً لكنه أصبح مرهقًا، فهنا يمكن اعتبار وباء كورونا ظرف طارئ.
ولكنني أؤكد رأيي أن نص المادة ١١ جاء كقيد حالت دون تطبيق الفرضيتين السابقتين منذ صدور الإرادة الملكية بالموافقة على إعلان قانون الدفاع.
وفي الختام اسأل الله -عزوجل- الصحة والسلامة والعافية للجميع وعلى الأخص للمصابين بوباء كورونا، وأدعو الله أن يتغمد من فقدناهم جراء الوباء بواسع رحمته
وحفظ الله جلالة الملك عبدالله الثاني الذي جعل من الأردن قدوةً تقتدي به الدول المتقدمة، وحمى الله أردننا الغالي، وأعاده إلينا وأعادنا اليه، وجعله ذخرًا وحصنًا منيعًا لنا وللأشقاء من شتى بقاع الأرض.
وفي الختام اسأل الله -عزوجل- الصحة والسلامة والعافية للجميع وعلى الأخص للمصابين بوباء كورونا، وأدعو الله أن يتغمد من فقدناهم جراء الوباء بواسع رحمته
وحفظ الله جلالة الملك عبدالله الثاني الذي جعل من الأردن قدوةً تقتدي به الدول المتقدمة، وحمى الله أردننا الغالي، وأعاده إلينا وأعادنا اليه، وجعله ذخرًا وحصنًا منيعًا لنا وللأشقاء من شتى بقاع الأرض.