فايروس كورونا استدعى اسئلة كثيرة عن نهاية الكون . و السؤال ليس مستجدا في الفكر الانساني . كثيرا ما تطاردنا اماني فردية وجماعية بصاروخ من الفضاء او نيزك يحرق الكرة الارضية و يدمرها . وذلك لا يعني دمار الكرة الارضية بل نهاية و فناء الجنس البشري .
موقف واراء تبوب بالمعرفة و الثقافة و الفكر تحت باب العدمية . نعم ، اناس ينظرون الى العالم والوجود والحياة من زاوية ورؤية عدمية .
الموقف العدمي له بذور في الفكر الانساني الشرقي و الغربي ، ابو العلاء المعري و ابن سينا كانا عدميان . وفي الفكر الاوروبي الحديث فان نيتشه هو شيخ و المعلم الكبير للفكر العدمي .
تنامي العدمية في العصر الحديث يعود الى التطور العلمي و التكنولوجي ، وما وجدت به الانسانية ذاتها في مواجهة مع تحديات كبرى بلا قيم ولا روح و انسانية . من الحرببين العالمية الاولى و الثانية التي خلفت ملايين القتلى و الجرحى و المشردين ،و الى الحروب و الارهاب التي ولدت موجات لامتناهية من اللاجئين والمشردين ، مرورا بما اصاب الطبيعة و البئية من حرائق وهدر و استغلال بسبب جشاعة الانسان و انانيته ، و احتكارية القوى الاقتصادية الإمبرالية الكبرى ، وختاما بالكورونا .
هذه الارضية الانسانية خصبة لولادة و نمو العدمية . يظهر الفرد لا مبالي باحيان كثيرة ، مقهورا و ضعيفا ، ومهمشا ، و لا يجد بدا من التفكير بالعدمية ، والابادة للبشرية ، ولو ان الارض تمحى عن الوجود .
وهذا ليس موقفا فرديا مجردا ، انما يعكس خيبة أمل لما يستجد من وقائع و احداث مؤلمة على كل الصعد والمستويات .
ويبدو النصف الثاني من القرن العشرين مفصلياً في ازدهار العدمية، حيث برزت حركات أدبية وفنية تتبنى عدداً من افكار العدمية وأهمها فقدان المعنى والغاية، ثم برزت نظريات فلسفية شكّلت ما بات يعرف بـ»ما بعد الحداثة» القائم أساساً بحسب وصف الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار في كتابه «الوضع ما بعد الحداثي» على «انهيار السرديات الكبرى».
عدمية نيتشه،طرحها بسؤال فلسفي عن الجدوى ؟ وما معنى الحياة ؟ و طبعا اجابة نيتشه كانت دائما عن الجدوى انها معدومة .
ومن الاساطير الاغريقية القديمة يقتبس نيتشه في كتابه «ولادة التراجيديا «من سيلين رفيق الإله ديونيسيوس في الميثولوجيا الإغريقية قوله: «أيها العرق الفاني والبائس، يا طفل الصدفة والمشقّة (...) ما يجدر بك أن تأمله، هو ما يعصى عليك: ألا تكون قد ولدت، ألا تكون، أن تكون العدم. ولكن بعد ذلك، أفضل ما يمكنك أن ترغبه، هو أن تموتَ قريباً».
معرفيا فان الحقيقة منفية ومعدومة عند نيتشه . لا يوجد حقائق ، و هناك تأويلات فقط . و ما قاده ذلك الى العدمية الاخلاقية . و بالتأويل على النهج والطريقة النتشاوية فاننا لا نختبر العالم كما هو ، ولكنا نختبره بنقائه، وبشكل يعكس افكارنا وقيمنا .
نيتشه وقف هنا بعدميته . ولكن ذهب مفكرون الى البحث عن مكان خارج الارض . و البحث عن خلاص وخلاص للنوع البشري ، والابدية . واراد الانسان ان يصل الى نقطة ارخميدس بالنسبة للارض عندما قال وجدتها . ابحث عن اللانهاية ، الانسان يضيع في الكون الكبير ، و ما يجعل من خلاصه خارج الارض بالبحث في الفراغ المطلق و الفناء .
فهل ستنتهي الحياة ، وتموت البشرية ؟ في زمت كورونا فان هذه الاسئلة ترميز لرغبة في نفي كل شيء ، والهروب . هروب من الفعل والحرية . و مثلا ، المتدين يحتمي بالدين ، و الحزبي بعقيدته ، و العدمي بمحي المعنى وانكاره .
(الدستور)