مُبتدأ الحديث، من قول احمد بن حسين المتنبي المتوفى سنة (915م) في وصف الأردن، التي كانت تعني في زمنه شمال منطقة البحر الميت من اليمين والشمال على ضفاف النهر، وهذا معناه شمالي فلسطين والاردن الراهن، حيث قال:
وَقَعَت عَلى الأُردُنِّ مِنهُ بَلِيَّةٌ
نُضِدَت بِها هامُ الرِفاقِ تُلولا
والقصة معروفة في وصف أسد ظهر في منطقة نهر الأردن وافترس كثير من الناس، وقتله بشجاعة بدر من عمار أمير منطقة الأردن آنذاك، والأردن أرض تحتمل دوما الكثير من الصعاب وتمر بها الجيوش، وقد وصفها محمد الحافظ بن حسين الصيداوي الدمشقي صاحب الكشف والبيان في خصال شرار أهل الزمان ذاكراً فضائلها بقوله: قال:»لعلك من الجند الذين هم في ظل عرش الرحمن يوم القيامة؟» وفضائل أرض الأردن كثيرة ذكرها المؤرخون القدامى، ولو أراد مؤرخ قديم وصف أهل الأردن اليوم لحار في ذكر مناقبهم، وفي وصف بلادهم، فبلدنا كبير بهامات رجاله، وقدرات مليكه، وصبر أهله، وانجازهم وعبورهم نوائب الزمان.
وها هم ناس الأردن واهله، يديرون أزمة عالمية لم تترك بلداً إلا واعجزته، وكانت خسائره باضعاف ما في الاردن، الذي أثبت جنده ورجال حكومته أقدامهم في مستنقع الكورونا وكانهم من صدق بهم وصف الشاعر الكبير أبو تمام شجاعة محمد الطوسي بقوله:
فأثبت في مستنقع الموت رجله
وقال من تحت اخمصك الحشر
ولا نبالغ إن قلنا أن الأردنيين تفوقوا على واقعهم ودوماً ينجزون الكثير وهم الكثرة في الشجاعة، وينفقون بأجود ما لديهم، وقد رأينا ما قاله ضيوف البلد ممن ارسلوا لمناطق الحجر التي لم تأت بمثلها دول كبرى تفوقنا ثراءً ومالاً وقدرات وموارد.
الأردن بلد الخير العميم، الذي ما ضاق على أحد، واتسع قِدره للعطاء والكرم بأفضل ما لديه وما فيه من مروءة وشجاعة واقدام، وهو وطن المرابطين والمهاجرين والأنصار، وبلد الهامات الكبيرة والجباه السمُر، وهو الغني بقيادته الشامخة، وجيشه المصطفوي العربي.
فتحية للجند ورجال الأمن والحكومة التي جربت كل أزمات الدهر، من سيول وامطار واضرابات وفايروس عالمي لا يُبقي ولا يذر، وتحية للمعلمين وللطلاب وللجامعات رؤساء واساتذة وإداريين، وتحية للعمال في الامانة والبلديات وفي شركات الكهرباء وفي كل مرافق الدولة الكبيرة التي أظهرت حسن استجابة ورعاية وحكمة ووقفت بشموخ وإباء وسداد.
أما أنت يا سيد البلاد وحاميها، ورأس حكمتها، فطوبى لك، ولمن هم مثلك من آل هاشم، ولمن يعمل معك وفي معيتك المشرفة، وطوبى لرجال الأردن كلهم الذين عودونا بأن الأردن كبير ولا ينحني ولا يذرف اللوم والشكوى وينتفض من الرماد كأنهم عنقاء العرب في هذا الزمان الحرج.
(الدستور)