أوشحة وأطياف سوداء تلف عبارة " نزل الجيش" في العقل الباطن للشعوب العربية بمعاناتها المزمنة مع العسكرتاريا.
وفي الثقافة العربية خوف مزمن نابع من تاريخنا الوسيط، وقادم من تاريخنا المعاصر من العسكرتاريا أيضا.
"نزل الجيش" عبارة تعيد للذاكرة العربية مسيرة الآلام مع الانقلابات والقمع والمعتقلات والسحل والتعذيب وإهلاك الحرث والنسل والقتل على الهوية الطائفية أو العرقية أو المذهبية أو السياسية. فما "نزل الجيش" في دنيا العرب والعالم الثالث الى الحياة العامة، إلا أثار الهلع وأطاح بالديمقراطيات وألغى حكم صناديق الانتخاب وفرض حكم العسكر. وذاكرة العرب المعاصرة المثقلة بمآسي الانقلابات منذ عام 1949، ترتعب من عبارة " نزل الجيش"، فقد عرفت دنيا العرب ما يناهز أربعين انقلابا عسكريا، منذ النصف الثاني من القرن العشرين، هذا بخلاف عشرات المحاولات الفاشلة. كانت النتيجة تدميرا ممنهجا لأقطار عربية محورية ثرية وعريقة، تحولت الى دول فاشلة.
لكن للرواية في حاضر العرب المعاصر وجهها الآخر، قدّمه الجيش العربي الأردني، بقيادته الهاشمية، المسلحة بالخلق والعقل والشرعية. فلم يسجل في تاريخ الجيش العربي الا المكرمات والكرامات والانجازات، إذ جاء ميلاد الدولة الأردنية مقترنا بميلاد الجيش، وسار ت الدولة وجيشها معا في دروب البناء والتنمية والإعمار والدفاع عن حياض الوطن وتخوم الأمة.
رسمت الوقائع والمحطات الصعبة، عبر قرن، الصورة الذهنية للجيش في العقل الأردني، بوصفه مؤسسة دستورية وطنية تشكّل ركيزة للبناء والتنمية، فالجيش العربي الأردني حمل السلاح في الميادين والجبهات وعلى التخوم، وحمل في آن معا قلم الثقافة والتعليم، مذ كانت خيمة معلم الثقافة العسكرية تتنقل مع القبائل والعشائر في رحلة بحثها عن الكلأ والماء في أعماق البادية، فأضاف الجيش البحث عن المعرفة والتعليم كمتطلب أساسي في حياة الشعب.
والجيش يحمل السلاح بيد ومبضع الجراح بيد ليحمي الانسان ويرفد الوطن بألمع الكوادر الطبية. والجيش يحمل البندقية ويجري خطوة تنظيم في العسكرية والحياة المدنية، فيسهم في رفد المؤسسات الرسمية والأهلية بخيرة الكفاءات الادارية. والجيش يبني ويشيّد ويشق الطرق والجسور والسدود ويروي التراب الوطني دما زكيا دفاعا عنه، كما يرويه تنمية وخدمات وأسواق ومدارس ومستشفيات ومؤسسات اجتماعية واقتصادية.
نزل الجيش بالأمس الى الحياة المدنية مدججا بالوطنية والخلق والرقي والضبط، ومسلحا بتوجيهات القائد الأعلى الحضارية.لم يثر نزول الجيش في قلوب نسائنا وأطفالنا الا السكينة والاطمئنان، ولم يستقبل بين المدنين الا بالاحترام والتقدير والامتنان.
نزل الجيش الأردني في المطار ليحمل الأردنيين القادمين من الخارج الى منتجعات البحر الميت وفنادق العاصمة ذات الخمسة نجوم، وليشرف على صحتهم، وليساهم في حماية الوطن والمواطنين من وباء عالمي. نزول الجيش الى الشارع في ذاكرتنا الوطنية متوج بشعار الدفاع عن فلسطين والقدس والجولان والأردن، ومزنر بالخلق، ومؤطر بالدستور وبالقانون وبالروح الوطنية الخالصة.
فاذا عرفت الجيوش في العالم قتلة ومجرمي حروب ودكتاتوريين، فإن صورة جيشنا الأردني ورمزيته في ذهنية شعبنا ارتبطت بسلسلة من القيادات والرموز الوطنية قدّمها الجيش للوطن، منذ معارك باب الواد وحزيران والكرامة ورمضان، من طراز حابس المجالي وعبدالله التل ومحمود الموسى العبيدات والشريف زيد ومنصور كريشان وموفق السلطي وفراس العجلوني ومشهور حديثه وخالد الطراونه وعبدالسلام المجالي والشيخ نوح القضاه وسعود مغصوب وداوود حنانيا ويوسف القسوس وعبدالمجيد المهدي النسعه وخالد هجهوج ومعاذ الكساسبه وراشد الزيود وسائد المعايطه، وقيادات وجنرالات وجنود رووا ثرى الوطن وصبّوا في عروقه، دمائهم وأرواحهم وأعمارهم وخبراتهم، عذرا لهم فأسفار المجد العسكري الأردني واسعة الفصول والأبواب، ولا يسهل استعراضها.
نزول جيش يقوده سليل الدوحة الهاشمية الى الشارع، ليس كنزول الجيش في بلاد ساد فيها الانعزاليون والموتورون والطائفيون والجهلة وأغرار السياسة وفقراء الخلق والحكمة والشرعية.
جيشنا الأردني عندما ينزل الى شوارعنا يسكن قلوبنا وتحتضنه أرواحنا.