جلست الختيارة على ظهر البيدر بزمن المطر والحب والحطب وصوت المزاريب واقتراب برد المربعانية التي كنا نتراهن بالصف من تستطيع ضم أصابعها من شدة البرد .
لبست الختيارة مدرقتها ولفت رأسها بحطة سوداء ، ولفت عنقها بشنبر اسود والشنبر عبارة عن قطعة من القماش سوداء طويلة تلبسها المرأة على رأسها تحت البشكير الألماني أو الحطة.جلست الختيارة وجلست بقربها البس الجينز واشرب الكولا وامضغ العلكة، ويجلس بقربي اخي الصغير الذي لم تنزل عيونه عن علبة الكولا. تنهدت الختيارة بحسرة وهي تنكش الأرض بعود خشب بحثا عن طبق مرار اوعكوب ودريهمة وقالت : سقا الله يا بنيتي برجع زماني وزمان هالختيار.
عادت بحسرتها وقالت بالأمس صلى الرجال صلاة الاستسقاء ولم تمطر السماء نحن الآن بأول الشتاء ولم نسمع صوت المزاريب الجميلة يدوي على الأرض العطشى، ولم نرى السماء تبرق أو ترعد.
وعادت بذاكرتها أيام كان العشاق ينتظرون ليالي الشتاء الطويلة تحت المزاريب بانتظار رؤية العشيقة قرب بيت الطين ولا يشعرون إلا والمزراب قد دلق ماء السطح على رؤوسهم.
عادت وتنهدت وقالت كان الرجال يتجمعون في هذا البيدر ويدرسون القمح حيث كان الحصان يجر قطعة خشب مستطيلة تسمى اللوح المطعم أسفله بالحجارة السوداء وقطع الحديد التي تقطع القمح وكان يقف الدرّاس على ظهر اللوح ممسكا برسن الحصان ويغني (يا حمرا يا لواحة) ثم يقوم الرجال بالتذراية وفصل حبات القمح الذهبية عن التبن ويتجمع الأطفال للحصول على البراكة وبيعها للدكنجي مقابل كمشة قضامة أو قطعة كعكبان .
نزلت دمعة الختيارة على غياب هذه المواسم الشهية ، نزلت دمعتها وقالت يا رب. فهطلت الأمطار في كانون وانتعشت الأرض وصعدت روائح التراب الطيبة إلى السماء شكرا لله.
E mail:royaalbassam@yahoo.com